التي خرجوا بها عن السنة ، ولكن من أين تصح دعوى العلم النظري ، أنّ النار باقية ببقاء الله دائمة بدوامه فضلا عن العلم الضروري ، فأين في الأدلة الشرعية أو العقلية دليل واحد يقتضي ذلك.
الطريق الرابع : أن السنة المستفيضة أو المتواترة أخبرت بخروج أهل التوحيد من النار دون الكفار ، وهذا معلوم من السنة قطعا ، وهذا الذي قالوه حقّ لا ريب فيه ، ولكن أهل التوحيد خرجوا منها ، وهي باقية لم تفن ، ولم تعدم ، والكفار لا يحصل لهم ذلك ، بل هم باقون فيها ما بقيت.
الطريق الخامس : إن العقل يدل على خلود الكفار فيها وعدم خروجهم منها ، فإن نفوسهم غير قابلة للخير ، فإنهم لو خرجوا منها ، لعادوا كفارا كما كانوا ، وقد أشار تعالى إلى ذلك بقوله : (وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ (٢٨)) [الأنعام] وهذا يدل على غاية عتوّهم وإصرارهم وعدم قبول الخير فيهم بوجه من الوجوه ، فلا تصلح نفوسهم الشريرة الخبيثة إلا للعذاب ، ولو صلحت ، لصلحت على طول العذاب ، فحيث لم يؤثر عذابهم تلك الأحقاب الطويلة في نفوسهم ، ولم يطيّبها ، علم أنه لا قابلية فيهم للخير أصلا ، وأن أسباب العذاب لم يطف من نفوسهم ، فلا يطفى العذاب المترتب عليها ، وهذه الطريق وإن أنكرت ببادئ الرأي ، فهي طريق قوية ، وهي ترجع إلى طريق الحكمة ، وإن الحكمة التي اقتضت دخولهم هي التي اقتضت خلودهم.
ولكن هذه الطريق محرّم سلوكها على نفاة الحكمة وعلى مثبتيها من المعتزلة والقدرية ، أما النفاة فظاهر ، وأما المثبتة فالحكمة عندهم أن عذابهم لمصلحتهم ، وهذا إنما يصح إذا كان لهم حالتان : حالة يعذبون فيها لأجل مصلحتهم ، وحالة يزول عنهم العذاب لتحصل لهم تلك المصلحة ، وإلا فكيف تكون مصلحتهم في عذاب لا انقطاع له أبدا ، وأما من يثبت حكمة