ضمير الثاني على الأول لدخولهما تحت جنس واحد ، فهكذا قوله : (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ (١٥٦)) [الأعراف] فالمكتوب للذين يتقون نوع خاص من الرحمة الواسعة ، والمقصود : أنّ الرحمة لا بد أن تسع أهل النار ، ولا بد أن تنتهي حيث ينتهي العلم ، كما قالت الملائكة : (رَبَّنا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً (٧)) [غافر].
الرابع عشر : أنه قد صحّ عنه صلىاللهعليهوسلم حديث الشفاعة ، قول أولي العزم : «إنّ ربي قد غضب اليوم غضبا ، لم يغضب قبله مثله ، ولن يغضب بعده مثله» (١) وهذا صريح في أنّ ذلك الغضب العظيم لا يدوم ، ومعلوم أنّ أهل النار إنما دخلوها بذلك الغضب ، فلو دام ذلك الغضب ، لدام عذابهم. إذ هو موجب ذلك الغضب ، فإذا رضي الربّ تبارك وتعالى ، وزال ذلك الغضب ، زال موجبه. وهذا كما أن عقوبات الدنيا العامة وبلاءها آثار غضبه ، فإذا استمر غضبه ، استمر ذلك البلاء ، فإذا رضي وزال غضبه ، زال البلاء ، وخلفته الرحمة.
الجواب الخامس : أنّ رضاه أحب إليه من غضبه ، وعفوه أحب إليه من عقوبته ، ورحمته أحب إليه من عذابه ، وعطاءه أحب إليه من منعه ، وإنما يقع الغضب والعقوبة والمنع بأسباب ، تناقض موجب تلك الصفات والأسماء ، وهو سبحانه كما يحب أسماءه وصفاته ، ويحب آثارها وموجبها ، كما في الحديث : «إنه وتر يحبّ الوتر ، جميل يحب الجمال ، نظيف يحب النظافة ، عفو يحب العفو» (٢) وهو شكور يحب الشاكرين ، عليم يحب العالمين ، جواد يحب أهل الجود ، حييّ ستّير ، يحب أهل الحياء والستر ،
__________________
(١) رواه البخاري (٣٣٤٠) ، ومسلم (١٩٤) عن أبي هريرة.
(٢) رواه مسلم (٩١) ، والترمذي في الأدب ٤١ ، وأحمد ٤ / ١٢٣ و ١٢٤ و ١٥١.