صبور يحب الصابرين ، رحيم يحب الرحماء ، فهو يكره ما يضاد ذلك. وكذلك كره الكفر والفسوق والعصيان والظلم والجهل ، لمضادة هذه الأوصاف لأوصاف كماله الموافقة لأسمائه وصفاته ، ولكن يريده سبحانه ، لاستلزامه ما يحبه ويرضاه ، فهو مراد له إرادة اللوازم المقصودة لغيرها ، إذ هي معصية (١) إلى ما يحبّ ، فإذا حصل بها ما يحبه ، وأدت إلى الغاية المقصودة له سبحانه ، لم تبق مقصودة ، لا لنفسها ولا لغيرها ، فتزول ، ويخلفها أضدادها التي هي أحبّ إليه سبحانه منها ، وهي موجب أسمائه وصفاته ، فإن فهمت سر هذا الوجه ، وإلّا فجاوزه إلى ما قبله ، ولا تعجل بإنكاره.
هذا وسرّ المسألة أنه سبحانه حكيم رحيم ، إنما يخلق بحكمة ورحمة ، فإذا عذّب من يعذب لحكمة ، كان هذا جاريا على مقتضاها ، كما يوجد في الدنيا من العقوبات الشرعية والقدرية ، من التهذيب والتأديب والزجر والرحمة واللطف ، ما يزكّي النفوس ، ويطيبها ، ويمحّصها ، ويخلّصها من شرّها وخبثها. والنفوس الشريرة الظالمة التي لو ردّت إلى الدنيا قبل العذاب ، لعادت لما نهيت عنه ، لا يصلح أن تسكن دار السلام التي تنافي الكذب والشر والظلم ، فإذا عذبت هذه النفوس بالنار عذابا يخلصها من ذلك الشر ، ويخرج خبثها ، كان هذا معقولا في الحكمة ، كما يوجد في عذاب الدنيا ، وخلق من فيه شر ، يزول بالتعذيب ، من تمام الحكمة ، أما خلق نفوس شريرة ، لا يزول شرّها البتة ، وإنما خلقت للشر المحض ، وللعذاب السرمد الدائم بدوام خالقها سبحانه ، فهذا لا يظهر موافقته للحكمة والرحمة ، وإن دخل تحت القدرة ، فدخوله تحت الحكمة والرحمة ليس
__________________
(١) معصية : هكذا في المطبوع والسياق يقتضي أن تكون (مفضية).