له ، وأذى أعدائه لهم ، وتميز الصادق من الكاذب ، ومن يريده ويعبده على جميع الحالات ممن يعبده على حرف ، وليحصل له مرتبة الشهادة التي هي من أعلى المراتب ، ولا شيء أبرّ عند الحبيب من بذل محبة نفسه في مرضاته ، ومجاهدة عدوه ، فكم لله في هذا التسليط من نعمة ورحمة وحكمة ، وإذا شئت أن تعلم ذلك ، فتأمل الآيات من أواخر آل عمران ، من قوله : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ (١٣٧)) [آل عمران] إلى قوله : (إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ فَلا تَخافُوهُمْ وَخافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١٧٥)) [آل عمران] إلى قوله : (ما كانَ اللهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (١٧٩)) [آل عمران].
فكان هذا التمييز من بعض حكم ذلك التسليط ، ولو لا ذلك التسليط ، لم تظهر فضيلة الصبر والعفو والحكم وكظم الغيظ ، ولا حلاوة النصر والظفر والقهر ، فإن الأشياء يظهر حسنها بأضدادها ، ولو لا ذلك التسليط ، لم تستوجب الأعداء المحق والإهانة والكبت ، فاستخرج ذلك التسليط ، من القوة إلى الفعل ، ما عند أوليائه ، فاستحقوا كرامتهم عليه ، وما عند أعدائه ، فاستحقوا عقوبتهم عليه ، فكان هذا التسليط مما أظهر حكمته وعزته ورحمته ونعمته في الفريقين ، وهو العزيز الحكيم.
الوجه الثامن والثلاثون : قوله : وأيّ حكمة في تكليف الثقلين ، وتعريضهم بذلك العقوبة وأنواع المشاق؟.
فاعلم أنه لو لا التكليف ، لكان خلق الإنسان عبثا وسدى ، والله يتعالى عن ذلك ، وقد نزه نفسه عنه ، كما نزّه نفسه عن العيوب والنقائص ، قال تعالى : (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ (١١٥)) [المؤمنون] وقال : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦)) [القيامة].
قال الشافعي : لا يؤمر ولا ينهى.