قال : أوليس خياركم أولاد المشركين ، ما من مولود إلا ويولد على الفطرة. ولو أريد : القدرة ، لكان البالغون كذلك ، مع كونهم مشركين مستوجبين للقتل ، وإن أراد بالفطرة القدرة على المعرفة مع إرادتها ، فالقدرة الكاملة مع الإرادة التامة تستلزم وجود المراد المقدور ، فدلّ على أنهم فطروا على القدرة على المعرفة وإرادتها ، وذلك مستلزم للإيمان.
فصل
قال أبو عمر : وقال آخرون : معنى قوله : يولد على الفطرة ، يعني البداءة التي ابتدأهم عليها : يريد أنه مولود على ما فطر الله عليه خليقته من أنه ابتدأهم للحياة والموت والسعادة والشقاء ، إلى ما يصيرون إليه عند البلوغ ، من قبولهم غير إيمانهم واعتقادهم. قالوا : والفطرة في كلام العرب البداءة ، وألفاظ المبتدئ ، وكأنه قال : يولد ما ابتدأه الله عليه من الشقاء والسعادة ، وغير ذلك مما يصير إليه ، وقد فطر عليه. واحتجوا بقوله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (٢٩) فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ (٣٠)) [الأعراف] وروى بإسناده إلى ابن عباس ، قال : لم أدر ما فاطر السموات والأرض حتى أتانا أعرابيان ، يختصمان في بئر ، فقال أحدهما : أنا فطرتها ، أي : ابتدأتها : وذكر دعاء عليّ : اللهم جبّار القلوب على فطرتها شقيها وسعيدها.
قال شيخنا : حقيقة هذا القول أنّ كلّ مولود فإنه يولد على ما سبق في علم الله أنه صائر إليه ، ومعلوم أن جميع المخلوقات بهذه المثابة ، فجميع البهائم مولودة على ما سبق في علم الله لها ، والأشجار مخلوقة على ما سبق في علم الله ، وحينئذ فيكون كل مخلوق قد خلق على الفطرة ، وأيضا فلو