كان المراد ذلك ، لم يكن لقوله : فأبواه يهودانه ، معنى ، فإنهما فعلا به ما هو الفطرة التي ولد عليها ، وعلى هذا القول : فلا فرق بين التهويد والتنصير ، وبين تلقّي الإسلام وتعليمه ، وبين تعلّم سائر الحرف والصنائع ، فإن ذلك كله واحد فيما سبق به العلم ، وأيضا فتمثيله ذلك بالبهيمة التي ولدت جمعاء ، ثم جدعت ، تبيّن أنّ أبويه غيّرا ما ولد عليه ، وأيضا فقوله : على هذه الملة ، وقوله : إني خلقت عبادي حنفاء ، مخالف لهذا ، وأيضا فلا فرق بين حال الولادة وسائر أحوال الإنسان ، فإنه من حين كان جنينا إلى ما لا نهاية له من أحواله على ما سبق في علم الله. فتخصيص الولادة بكونها على مقتضى القدر تخصيص بلا مخصص ، وقد ثبت في الصحيح (١) أنه قيل حين نفخ الروح فيه ، يكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد ، فلو قيل : كل مولود ينفخ فيه الروح على الفطرة ، لكان أشبه بهذا المعنى ، مع أن النفخ هو بعد الكتابة.
فصل
قال أبو عمر : قال محمد بن نصر المروزي : وهذا المذهب شبيه بما حكاه أبو عبيدة عن ابن المبارك ، أنه سئل عن هذا الحديث ، فقال : يفسره قوله : الله أعلم بما كانوا عاملين. قال المروزي : وقد كان أحمد بن حنبل يذهب إلى هذا القول ، ثم تركه. قال أبو عمر : وما رسمه مالك في موطئه ، وذكر في أبواب القدر فيه من الآثار ما يدلّ على أنّ مذهبه في ذلك نحو
__________________
(١) سبق تخريجه.