بقوله : (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ (٣٠)) [الأعراف]. فيقال : هذا الذي أوجب لأصحاب ذلك القول ما تأولوا به الآية ، ومن تأمل الآية علم أنّ القول أولى بها ، ووجه الارتباط أن الآية تضمنت قواعد الدين علما وعملا واعتقادا ، فأمره سبحانه فيها بالقسط هو الذي هو حقيقة شرعه ودينه ، وهو يتضمن التوحيد ، فإنه أعدل العدل.
والعدل في معاملة الخلق والعدل في العبادة ، وهو الاقتصاد في السنة ، ويتضمن الأمر بالإقبال على الله ، وإقامة عبوديته في ثبوته ، ويتضمن الإخلاص له ، وهو عبوديته وحده لا شريك له ، فهذا ما فيها من العمل. ثم أخبر بمبدئهم ومعادهم ، فتضمن ذلك حدوث الخلق وإعادته ، فذلك الإيمان بالمبدإ والمعاد ، ثم أخبر عن القدر الذي هو نظام التوحيد ، فقال : (فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ (٣٠)) [الأعراف] ، فتضمنت الآية الإيمان بالقدر والشرع والمبدأ والمعاد والأمر بالعدل والإخلاص ، ثم ختم الآية بذكر حال من لم يصدّق هذا الخبر ، ولم يطع هذا الأمر بأنه قد والى للشيطان دون ربه ، وأنه على ضلال ، وهو يحسب أنه على هدى ، والله أعلم.
فصل
وقال آخرون : يعني قوله : «كل مولود يولد على الفطرة» أنّ الله فطرهم على الإنكار والمعرفة ، وعلى الكفر والإيمان ، فأخذ من ذرية آدم الميثاق حين خلقهم ، فقال : ألست بربكم؟ قالوا جميعا : بلى ، فأما أهل السعادة فقالوا : بلى ، على معرفة له طوعا من قلوبهم ، وأما أهل الشقاء فقالوا : بلى كرها غير طوع ، قالوا : ويصدّق ذلك قوله تعالى : (وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ