الأبوين ، لكان ذلك من حين يولد ، قبل أن يعرب عنه لسانه ، وكذلك قوله في الحديث الصحيح : «إني خلقت عبادي حنفاء ، فاجتالتهم الشياطين ، وحرّمت عليهم ما أحللت لهم ، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا (١) ، صريح في أنهم خلقوا على الحنيفية ، وأن الشياطين اجتالتهم ، وحرّمت عليهم الحلال ، وأمرتهم بالشرك. فلو كان الطفل يصير كافرا في نفس الأمر ، من حين يولد ، لكونه يتبع أبويه في الدّين قبل أن يعلّمه أحد الكفر ويلقنه إياه ، لم تكن الشياطين هم الذين غيروهم عن الحنيفية وأمروهم بالشرك.
فصل
ومنشأ الاشتباه في هذه المسألة اشتباه أحكام الكفر في الدنيا بأحكام الكفر في الآخرة ، فإنّ أولاد الكفار لما كان تجري عليهم أحكام الكفر في الدنيا ، مثل ثبوت الولاية عليهم لآبائهم ، وحضانتهم لهم ، وتمكنهم من تعليمهم وتأديبهم ، والموازنة بينهم وبين بنيهم ، واسترقاقهم وغير ذلك ، صار يظن من يظن أنهم كفار في نفس الأمر ، كالذي تكلم بالكفر وعمل به ، ومن هاهنا قال محمد بن الحسن : إن هذا الحديث وهو قوله : كلّ مولود يولد على الفطرة ، كان قبل أن تنزل الأحكام ، فإذا عرف أن كونهم ولدوا على الفطرة ، لا ينافي أن يكونوا تبعا لآبائهم ، في أحكام الدنيا ، وقد زالت الشبهة ، وقد يكون في بلاد الكفر من هو مؤمن يكتم إيمانه ، ولا يعلم
__________________
(١) سبق تخريجه.