المسلمون حاله ، فلا يغسل ولا يصلى عليه ، ويدفن مع المشركين ، وهو في الآخرة من أهل الجنة ، كما أنّ المنافقين في الدنيا تجري عليهم أحكام المسلمين ، وهم في الدرك الأسفل من النار ، فحكم الدار الآخرة غير حكم الدار الدنيا.
وقوله : «كل مولود يولد على الفطرة» ، إنما أراد به الإخبار بالحقيقة التي خلقوا عليها ، وعلى الثواب والعقاب في الآخرة ، إذا عملوا بموجبها ، وسلمت عن المعارض ، ولم يرد به الإخبار بأحكام الدنيا ، فإنه قد علم بالاضطرار ، من شرع الرسول ، أن أولاد الكفار تبع لآبائهم في أحكام الدنيا ، وأن أولادهم لا ينزعون منهم ، إذا كانوا ذمة ، فإن كانوا محاربين ، استرقّوا ، ولم يتنازع المسلمون في ذلك ، لكن تنازعوا في الطفل إذا مات أبواه أو أحدهما ، هل يحكم بإسلامه. وعن أحمد في ذلك ثلاث روايات.
إحداهن : يحكم بإسلامه بموت الأبوين أو أحدهما ، لقوله : فأبواه يهودانه وينصرانه ، وهذا ليس معه أبواه ، وهو على الفطرة ، وهي الإسلام لما تقدم ، فيكون مسلما.
والثانية : لا يحكم بإسلامه بذلك ، وهذا قول الجمهور. قال شيخنا : وهذا القول هو الصواب ، بل هو إجماع قديم من السلف والخلف ، بل هو ثابت بالسنة التي لا ريب فيها ، فقد علم أن أهل الذمة كانوا على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالمدينة ووادي القرى وخيبر ونجران واليمن وغير ذلك ، وكان فيهم من يموت وله ولد صغير ، ولم يحكم النبي صلىاللهعليهوسلم بإسلام أهل الذمة ، ولا خلفاؤه ، وأهل الذمة كانوا في زمانهم طبق الأرض بالشام ومصر والعراق وخراسان ، وفيهم من يتاماهم (١) عدد كثير ، ولم يحكموا بإسلام واحد منهم ،
__________________
(١) أيتام.