وبنية ، ليس معها كفر ولا إيمان ، ولا معرفة ولا إنكار ، ثم يعتقد الكفر أو الإيمان بعد البلوغ ، إذا ميّز ، واحتجوا بقوله في الحديث : «كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء» (١) ، يعني : سالمة ، هل تحسون فيها من جدعاء؟ يعني مقطوعة الأذن فمثّل قلوب بني آدم بالبهائم ، لأنها تولد كاملة الخلق ، لا يتبين فيها نقصان ، ثم تقطع آذانها بعد وأنوفها ، فيقال : هذه السوائب ، وهذه البحائر. يقول : كذلك قلوب الأطفال في حين ولادتهم ، ليس لهم حينئذ كفر ولا إيمان ولا معرفة ولا إنكار ، كالبهائم السالمة ، فلما بلغوا ، استهوتهم الشياطين ، فكفر أكثرهم ، وعصم الله أقلهم.
قالوا : ولو كان الأطفال قد فطروا على شيء من الكفر والإيمان ، في أولية أمرهم ، ما انتقلوا عنه أبدا ، فقد تجدهم يؤمنون. ثم يكفرون ، ثم يؤمنون.
قالوا : ويستحيل في العقول أن يكون الطفل في حال ولادته يفعل كفرا أو إيمانا ، لأن الله أخرجهم من بطون أمهاتهم لا يعلمون شيئا ، فمن لم يعلم شيئا ، استحال منه كفر أو إيمان أو معرفة أو إنكار.
قال أبو عمر : هذا القول أصح ما قيل في معنى الفطرة التي تولد الولدان عليها ، وذلك أن الفطرة السلامة والاستقامة بدليل قوله تعالى في حديث عياض بن حمار : «إني خلقت عبادي حنفاء» ، يعني على استقامة وسلامة.
وكأنه والله أعلم أراد الذين خلصوا من الآفات كلها والمعاصي والطاعات ، فلا طاعة منهم ولا معصية إذا لم يعملوا بواحدة منهما. ومن الحجة أيضا في هذا قول الله تعالى : (إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (١٦)) [الطور]
__________________
(١) سبق تخريجه.