(كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨)) [المدثر] ومن لم يبلغ وقت العمل ، يبرهن بشيء ، قال تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥)) [الإسراء].
قال شيخنا : هذا القائل إن أراد بهذا القول أنهم خلقوا خالين من المعرفة والإنكار ، من غير أن تكون الفطرة تقتضي واحدا منهما ، بل يكون القلب كاللوح الذي يقبل كتابة الإيمان والكفر ، وليس هو لأحدهما أقبل منه للآخر ، وهذا هو الذي يشعر به ظاهر الكلام ، فهذا قول فاسد ، لأنه حينئذ لا فرق بالنسبة إلى الفطرة بين المعرفة والإنكار والتهويد والتنصير والإسلام ، وإنما ذلك بحسب الأسباب ، فكان ينبغي أن يقال : فأبواه يسلمانه ويهودانه وينصرانه ويمجسانه. فلما ذكر أن أبويه يكفّرانه ، وذكر الملل الفاسدة دون الإسلام ، علم أنّ حكمه في حصول ذلك بسبب منفصل عن حكم الكفر ، وأيضا فإنه على هذا التقدير لا يكون في القلب سلامة ولا عطب ولا استقامة ولا زيغ ، إذ نسبته إلى كل منهما نسبة واحدة ، وليس هو بأحدهما بأولى منه بالآخر ، كما أنّ اللوح قبل الكتابة لا يثبت له حكم مدح ولا ذم ، فما كان قابلا للمدح والذم على السواء ، لم يستحق مدحا ولا ذما ، والله تعالى يقول : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها (٣٠)) [الروم] فأمره بلزوم فطرته التي فطر الناس عليها ، فكيف لا تكون ممدوحة! وأيضا فإنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم شبهها بالبهيمة المجتمعة الخلق ، وشبّه ما طرأ عليها من الكفر بجدع الأنف والأذن ، ومعلوم أن كمالهما محمود ونقصهما مذموم ، فكيف تكون قبل النقص لا محمودة ولا مذمومة!.