يعارضه ويقتضي حصول ضده ، وإن حصول ذلك فيها لا يقف على وجود شرط بل على انتفاء المانع ، فإذا لم يوجد ، فهو لوجود منافيه ، لا لعدم مقتضيه ، ولهذا لم يذكر النبيّ صلىاللهعليهوسلم لوجود الفطرة شرطا ، بل ذكر ما يمنع موجبها حيث قال : فأبواه يهودانه وينصّرانه ويمجّسانه. فحصول هذا التهويد والتنصير موقوف على أسباب خارجة عن الفطرة ، وحصول الحنيفية والإخلاص ومعرفة الرب والخضوع له لا يتوقف أصله على غير الفطرة ، وإن توقف كماله وتفصيله على غيرها ، وبالله التوفيق.
فصل
وقوله صلىاللهعليهوسلم فيما يروي عن ربه تبارك وتعالى : «إني خلقت عبادي حنفاء فاجتالتهم الشياطين وحرمت عليهم ما أحللت لهم» (١) يتضمن أصلين عظيمين مقصودين لأنفسهما ، ووسيلة تعين عليهما ، أحدهما : عبادته وحده لا شريك له ، والثاني : إنما يعبد بما شرعه وأحبه وأمر به.
وهذان الأصلان هما المقصود الذي خلق له الخلق ، فصدّهما الشرك والبدع ، فالمشرك يعبد مع الله غيره ، وصاحب البدعة يتقرب إلى الله بما لم يأمر به ولم يشرعه ولا أحبه ، وجعل سبحانه حل الطيبات مما يستعان به على ذلك ، ويتوسل به إليه ، فمدار الدين على هذين الأصلين وهذه الوسيلة ، فأخبر سبحانه أنّ الشياطين اقتطعت عباده عن هذا المقصود وعن هذه الوسيلة ، فأمرتهم أن يشركوا به ما لم ينزل به سلطانا ، وهذا يتناول الإشراك
__________________
(١) مر آنفا.