فصل
ومما يبين ذلك أنّ الإقرار بالصانع ، مع خلوّ القلب عن محبته والخضوع له وإخلاص الدين له ، لا يكون نافعا ، بل الإقرار به ، مع الإعراض عنه وعن محبته وتعظيمه والخضوع له ، أعظم استحقاقا للعذاب ، فلا بد أن يكون للفطرة مقتض للعلم ومقتض للمحبة ، والمحبة مشروطة بالعلم ، فإن ما لا يشعر به الإنسان لا يحبه ، والحب للمحبوبات لا يكون بسبب من خارج ، بل هو جبلّيّ فطري ، فإذا كانت المحبة جبلّية فطرية ، فشرطها ، وهو المعرفة أيضا ، جبلي فطري ، فلا بد أن يكون في الفطرة محبة الخالق مع الإقرار به ، وهذا أصل الحنيفية التي خلق الله خلقه عليها وفطرته فطرهم عليها ، فعلم أن الحنيفية من موجبات الفطرة ومقتضياتها ، والحب لله والخضوع له والإخلاص هو أصل أعمال الحنيفية ، وذلك مستلزم للإقرار والمعرفة ، ولازم اللازم لازم ، وملزوم الملزوم ملزوم ، فالفطرة ملزومة لهذه الأحوال ، وهذه الأحوال لازمة لها.
فصل
فقد تبين دلالة الكتاب والسنة والآثار واتفاق السلف على أنّ الخلق مفطورون على دين الله الذي هو معرفته والإقرار به ومحبته والخضوع له ، وأن ذلك موجب فطرتهم ومقتضاها ، يجب حصوله فيها إن لم يحصل ما