المتكلمين : إنه لم يقم دليل عقلي على تنزيهه عن النقائص ، وإنما علم بالإجماع.
قبحا لهاتيك العقول فإنها |
|
عقال على أصحابها ووبال |
فليس في العقول أبين ولا أجلى من معرفتها بكمال خالق هذا العالم ، وتنزيهه عن العيوب والنقائص ، وجاءت الرسل بالتذكرة بهذه المعرفة وتفصيلها ، وكذلك في الفطر الإقرار بسعادة النفوس البشرية وشقاوتها وجزائها بكسبها في غير هذه الدار ، وأما تفصيل ذلك الجزاء والسعادة والشقاوة فلا تعلم إلا بالرّسل ، وكذلك فيها معرفة العدل ومحبته وإيثاره ، وأما تفاصيل العدل الذي هو شرع الرب تعالى ، فلا يعلم إلا بالرسل ، فالرسل تذكر بما في الفطر ، وتفصّله وتبيّنه ، ولهذا كان العقل الصريح موافقا للنقل الصحيح ، والشرعة مطابقة للفطرة ، يتصادقان ولا يتعارضان خلافا لمن قال : إذا تعارض العقل والوحي قدّمنا العقل على الوحي :
فقبحا لعقل ينقض الوحي حكمه |
|
ويشهد حقا أنه هو كاذب |
والمقصود أن الله فطر عباده على فطرة ، فيها الإقرار به ومحبته والإخلاص له والإنابة إليه وإجلاله وتعظيمه ، وأن الشخص الخارج عنها لا يحدث فيها ذلك ، ويجعلها فيها بعد أن لم يكن ، وإنما يذكرها بما فيها ، وينبهها عليه ، ويحركها له ، ويفصله لها ، ويبينه ويعرفها الأسباب المقوية والأسباب المعارضة له والمانعة من كماله ، كما أنّ الشخص الخارج لا يجعل في الفطرة شهوة اللبن عند الرضاع والأكل والشرب والنكاح ، وإنما تذكّر النفس وتحركها لما هو مركوز فيها بالقوة.