كانت عدما.
فكذلك الأسباب الخارجة عن الفطرة ، لا يتوقف عليها وجود ما في الفطرة من الشعور بالخالق ومحبته وتعظيمه والخضوع له ، وإن كان ذلك مذكّرا ومحرّكا ومنبها ومزيلا للعارض المانع ، ولذلك سمى الله سبحانه ما كمل به موجبات الفطرة بذكر أو ذكرى ، وجعل رسوله مذكّرا فقال : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١)) [الغاشية] وقال : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩)) [الأعلى] وقال : (وَما يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ (١٣)) [غافر] وقال : (وَما يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُوا الْأَلْبابِ (٢٦٩)) [البقرة] وقال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ (٣٧)) [ق] وقال : (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)) [القمر] وقال : (فَإِنَّما يَسَّرْناهُ بِلِسانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (٥٨)) [الدخان].
وهذا كثير في القرآن يخبر أن كتابه ورسوله مذكّر لهم بما هو مركوز في فطرهم من معرفته ومحبته وتعظيمه وإجلاله والخضوع له والإخلاص له ومحبة شرعه الذي هو العدل المحض ، وإيثاره على ما سواه ، فالفطر مركوز فيها معرفته ومحبته والإخلاص له والإقرار بشرعه وإيثاره على غيره ، فهي تعرف ذلك وتشعر به مجملا ومفصلا بعض التفصيل ، فجاءت الرسل تذكّرها بذلك ، وتنبهها عليه ، وتفصله لها ، وتبينه وتعرّفها الأسباب المعارضة لموجب الفطرة المانعة من اقتفائها أثرها ، وهكذا شأن الشرائع التي جاءت بها الرسل ، فإنها أمر بمعروف ، ونهي عن منكر ، وإباحة طيّب ، وتحريم خبيث ، وأمر بعدل ، ونهي عن ظلم ، وهذا كله مركوز في الفطرة ، وكمال تفصيله وتبيينه موقوف على الرسل ، وهكذا باب التوحيد وإثبات الصفات فإن في الفطرة الإقرار بالكمال المطلق الذي لا نقص فيه للخالق سبحانه ، ولكن معرفة هذا الكمال على التفصيل مما يتوقف على الرسل ، وكذلك تنزيهه عن النقائص والعيوب هو أمر مستقرّ في فطر الخلائق ، خلافا لمن قال من