سواء ، أو الفطرة مقتضية للأول دون الثاني ، فإن كانا سواء ، لزم انتفاء المدح ، كما تقدم ، وإن لم يكن فرق بين دعائها إلى الكفر ودعائها إلى الإيمان ، ويكون تمجيسها كتحنيفها ، وقد عرف بطلان هذا ، وإن كان فيها مقتض لهذا ، فإما أن يكون المقتضي مستلزما لمقتضاه عند عدم المعارض ، وإما أن أن يكون متوقفا على شخص خارج عنها ، فإن كان الأول ، ثبت ذلك من لوازمها ، وأنها مفطورة عليه ، لا يفقد إلا إذا فسدت الفطرة ، وإن قدّر أنه متوقف على شخص ، فذلك الشخص هو الذي يجعلها حنيفية كما يجعلها مجوسية ، وحينئذ فلا فرق بين هذا وهذا ، وإذا قيل : هي إلى الحنيفية أميل ، كان كما يقال : هي إلى غيرها أميل ، فتبين أن فيها قوة موجبة الحبّ لله والذل له وإخلاص الدين له ، وأنها موجبة لمقتضاها إذا سلمت من المعارض ، كما أن فيها قوة تقتضي شرب اللبن الذي فطرت على محبته وطلبه ، مما يبين هذا أن كل حركة إرادية ، فإنّ الموجب لها قوة في المريد ، فإذا أمكن في الإنسان أن يحب الله ويعبده ويخلص له الدين ، كان فيه قوة تقتضي ذلك ، إذ الأفعال الإرادية لا يكون سببها إلا من نفس الحيّ المريد الفاعل ، ولا يشترط في إرادته إلا مجرد الشعور بالمراد ، فما في النفوس من قوة المحبة له ، إذا شعرت به ، تقتضي حبه إذا لم يحصل معارض ، وهذا موجود في محبة الأطعمة والأشربة والنكاح والعلم وغيرها ، وقد ثبت أنّ في النفس قوة المحبة لله والإخلاص والذل له والخضوع ، وأن فيها قوة الشعور به ، فيلزم قطعا وجود المحبة له والتعظيم والخضوع بالفعل ، لوجود المقتضي إذا سلم عن المعارض ، وتبين أن المعرفة والمحبة لا يشترط فيهما وجود شخص منفصل ، وإن كان وجوده قد يذكر ويحرك ، كما لو خوطب الجائع أو الظمآن بوصف طعام ، أو خوطب المغتلم بوصف النساء ، فإن هذا مما يذكّره ويحرّكه ويثير شهوته الكامنة بالقوة في نفسه ، لا أنه يحدث له نفس تلك الإرادة والشهوة بعد أن لم تكن فيه ، فيجعلها موجودة بعد أن