مستدل ، فإن النفس قد يقوم بها من النظر والاستدلال ما يحتاج معه إلى كلام الناس ، فإن كان كلّ مولود يولد على هذه الفطرة ، لزم أن يكون المقتضي للمعرفة حاصلا لكل مولود ، وهو المطلوب. والمقتضي التام مستلزم مقتضاه ، فتبيّن أنّ أحد الأمرين لازم. أما كون الفطرة مستلزمة للمعرفة ، وأما استواء الأمرين بالنسبة إليها ، وذلك ينفي مدحها.
وتلخيص ذلك أن يقال : المعرفة والإيمان بالنسبة إليها ممكن بلا ريب ، فإما أن تكون هي موجبة مستلزمة لذلك ، وإما أن لا تكون مستلزمة له ، فلا يكون واجبا لها ، فإن كان الثاني ، لم يكن فرق بين الكفر والإيمان بالنسبة إليها ، أو كلاهما ممكن لها ، فثبت أن المعرفة لازمة لها ، إلا أن يعارضها معارض ، فإن قيل : ليست موجبة مستلزمة للمعرفة ، ولكن هيئ إليها الميل مع قبولها للنكرة. قيل : فحينئذ إذا لم تستلزم المعرفة ، وجدت تارة ، وعدمت تارة ، وهي وحدها لا يحصلها ، فلا تحصل إلا بشخص آخر كالأبوين ، فيكون الإسلام والتهويد والتنصير والتمجيس.
ومعلوم أن هذه أنواع بعضها أبعد عن الفطرة من بعض ، كالتمجس ، فإن لم تكن الفطرة مقتضية للإسلام ، صار نسبتها إلى ذلك كنسبة التهويد والتنصير إلى التمجيس ، فوجب أن يذكر كما ذكر ذلك ، ويكون هذا كمكون الفطرة ، لا يقضي الرضاع إلا بسبب منفصل ، وليس كذلك ، بل الطفل يختار مص اللبن بنفسه ، فإذا مكن من الثدي ، وجدت الرضاعة لا محالة ، فارتضاعه ضروري إذا لم يوجد معارض ، وهو مولود على أن يرضع ، فكذلك هو مولود على أن يعرف الله. والمعرفة ضرورية لا محالة إذا لم يوجد معارض.
وأيضا فإن حبّ النفس لله وخضوعها له وإخلاصها له ، مع الكفر به والشرك والإعراض عنه ونسيان ذكره ، إما أن يكون نسبتهما إلى الفطرة