وقصدا ، أو الإشراك به أكمل ، والثاني معلوم الفساد بالضرورة ، فتعين الأول ، وهو أن يكون في الفطرة مقتضى يقتضي توحيده وتألهه وتعظيمه.
الوجه الثالث : أن الحنيفية التي هي دين الله ، ولا دين له غيرها ، إما أن تكون مع غيرها من الأديان متماثلين ، أو الحنيفية أرجح ، أو تكون مرجوحة ، والأول والثالث باطلان قطعا ، فوجب أن يكون في الفطرة مرجّح يرجح الحنيفية ، وامتنع أن يكون نسبتها ونسبة غيرها من الأديان إلى الفطرة سواء.
الوجه الرابع : أنه إذا ثبت أن في الفطرة قوة تقتضي طلب معرفة الحق وإيثاره على ما سواه ، وأن ذلك حاصل مركوز فيها من غير تعليم الأبوين ولا غيرهما ، بل لو فرض أن الإنسان تربّى وحده ، ثم عقل وميز ، لوجد نفسه مائلة إلى ذلك نافرة عن ضده ، كما يجد الصبي عند أول تمييزه ، يعلم أن الحادث لا بدّ له من محدث ، فهو يلتفت إذا ضرب من خلفه ، لعلمه أن تلك الضربة لا بدّ لها من ضارب ، فإذا شعر به ، بكى حتى يقتص له منه ، فيسكن ، فقد ركز في فطرته الإقرار بالصانع ، وهو التوحيد ، ومحبة القصاص ، وهو العدل ، وإذا ثبت ذلك ، ثبت أنّ نفس الفطرة مقتضية لمعرفته سبحانه ومحبته وإجلاله وتعظيمه والخضوع له من غير تعليم ولا دعاء إلى ذلك ، وإن لم يكن فطرة كل أحد مستقلة بتحصيل ذلك ، بل يحتاج كثير منهم إلى سبب معين للفطرة مقوّ لها ، وقد بيّنّا أن هذا السبب لا يحدث في الفطرة ما لم يكن فيها ، بل يعينها ويذكّرها ويقوّيها ، فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، يدعون العباد إلى موجب هذه الفطرة ، فإذا لم يحصل مانع يمنع الفطرة عن مقتضاها ، استجابت لدعوة الرسل ، ولا بد بما فيها من المقتضي لذلك ، كمن دعا جائعا أو ظمآن إلى شراب وطعام لذيذ نافع ، لا تبعة فيه عليه ، ولا يكلفه ثمنه ، فإنه ما لم يحصل هناك مانع ، فإنه