يجيبه ولا بد.
الوجه الخامس : أنّا نعلم بالضرورة أن الطفل حين ولادته ليس له معرفة بهذا الأمر ، ولا عنده إرادة له ، ويعلم أنه كلما حصل فيه قوة العلم والإرادة ، حصل له من معرفته بربه ومحبته ما يناسب قوة فطرته وضعفها ، وهذا كما يشاهد في الأطفال من محبة جلب المنافع ودفع المضار بحسب كمال التمييز وضعفه ، فكلاهما أمر حاصل مع النشأة على التدريج شيئا فشيئا إلى أن يصل إلى حده الذي ليس في الفطرة استعداد لأكثر منه ، لكن قد يتفق لكثير من الفطر موانع متنوعة ، تحول بينها وبين مقتضاها وموجبها.
الوجه السادس : أنه من المعلوم أنّ النفوس إذا حصل لها معلم وداع ، حصل لها من العلم والإرادة بحسبه. ومن المعلوم أن كلّ نفس قابلة لمعرفة الحق وإرادة الخير ، ومجرد التعليم لا يوجب تلك القابلية ، فلولا أن في النفس قوة تقبل ذلك ، لم يحصل لها القبول ، فإن لحصوله في المحل شروطا مقبولة له ، وذلك القبول هو كونه مهيأ له مستعدا لحصوله فيه ، وقد بيّنا أنه يمتنع أن يكون سببه ذلك وضده إلى النفس سواء.
الوجه السابع : أنه من المعلوم مشاركة الإنسان لنوع الحيوان في الإحساس والحركة الإرادية وحبس الشعور ، وأن الحيوان البهيم قد يكون أقوى إحساسا وحياة وشعورا من الإنسان ، وليس بقابل لما الإنسان قابل له من معرفة الحق وإرادته دون غيره ، فلولا قوة في الفطرة والنفس الناطقة اختص بها الإنسان دون الحيوان ، يقبل بها أن يعرف الحق ، ويريد الخير ، لكان هو والحيوان في هذا العدم سواء ، وحينئذ يلزم أحد الأمرين ، كلاهما ممتنع ، إما كون الإنسان فاقدا لهذه المعرفة والإرادة كغيره من الحيوانات ، أو تكون حاصلة لها كحصولها للإنسان ، فلولا أنّ في الفطرة والنفس الناطقة قوة تقتضي ذلك ، لما حصل لها ، ولو كان بغير قوة ومقتضى منها ، لا يمكن