خارج ، أليس عند حصول ذلك السبب يوجد في الفطرة ترجيح ذلك ومحبته على ضده ، فهذا الترجيح والمحبة والأمر مركوز في الفطرة.
الوجه الثاني عشر : أنا لو فرضنا أنه لم يحصل المفسد الخارج ولا المصلح الخارج ، لكانت الفطرة مقتضية لإرادة المصلح وإيثاره على ما سواه ، وإذا كان المقتضي موجودا والمانع مفقودا ، وجب حصول الأثر ، فإنه لا يتخلف إلا لعدم مقتضيه ، أو لوجود مانعه ، فإذا كان المانع زائلا ، حصل الأثر بالمقتضي السالم عن المعارض المقاوم.
الوجه الثالث عشر : أنّ السبب الذي في الفطرة لمعرفة الله ومحبته والإخلاص له إما أن يكون مستلزما لذلك ، وإما أن يكون مقتضيا بدون استلزام ، أو يستحيل أن لا يكون له أثر البتة ، وعلى التقديرين يترتب أثره عليه ، إما وحده على التقدير الأول ، وإما بانضمام أمر آخر إليه على التقدير الثاني.
الوجه الرابع عشر : أنّ النفس الناطقة لا تخلو عن الشعور والإرادة ، بل هذا الخلف ممتنع فيها ، فإن الشعور والإرادة من لوازم حقيقتها ، فلا يتصور إلا أن تكون شاعرة مريدة ، ولا يجوز أن يقال : إنها قد تخلو في حق خالقها وفاطرها عن الشعور بوجوده ، وعن محبته وإرادته ، فلا يكون إقرارها به ومحبته من لوازم ذاتها ، هذا باطل قطعا ، فإن النفس لها مطلوب مراد بضرورة فطرتها ، وكونها مريدة ، هو من لوازم ذاتها ، فإنها حيّة ، وكلّ حيّ شاعر متحرك بالإرادة ، وإذا كان كذلك ، فلا بد لكل مريد من مراد ، والمراد إما أن يكون مرادا لنفسه ، أو لغيره ، والمراد لغيره لا بد أن ينتهي إلى مراد لنفسه قطعا للتسلسل في العلل الغائية ، فإنه محال كالتسلسل في العلل الفاعلة ، وإذا كان لا بد للإنسان من مراد لنفسه ، فهو الله الذي لا إله إلا هو ، الذي تألهه النفوس ، وتحبه القلوب وتعرفه الفطر وتقرّ به العقول ،