قال وهذا يدل على أنه قد طبع على قلوبهم.
وقال ابن عباس : فما كان أولئك الكفار ليؤمنوا عند إرسال الرسل بما كذبوا يوم أخذ ميثاقهم ، حين أخرجهم من ظهر آدم ، فآمنوا كرها ، وأقروا باللسان وأضمروا التكذيب.
وقال مجاهد : فما كانوا ، لو أحييناهم بعد هلاكهم ، ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل هلاكهم.
قلت : وهو نظير قوله : ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه.
وقال آخرون : لما جاءتهم رسلهم بالآيات التي اقترحوها ، وطلبوها ، ما كانوا ليؤمنوا بعد رؤيتها ومعاينتها بما كذبوا به من قبل رؤيتها ومعاينتها ، فمنعهم تكذيبهم السابق بالحق لما عرفوه من الإيمان به بعد ذلك ، وهذه عقوبة من ردّ الحق أو أعرض عنه فلم يقبله ، فإنه يصرف عنه ويحال بينه وبينه ، ويقلب قلبه عنه ، فهذا إضلال العقوبة ، وهو من عدل الرب في عبده ، وأما الإضلال السابق الذي ضل به عن قبوله أولا ، والاهتداء به فهو إضلال ناشئ عن علم الله السابق في عبده ، أنه لا يصلح للهدى ، ولا يليق به ، وأن محله غير قابل له ، فالله أعلم حيث يضع هداه وتوفيقه ، كما هو أعلم حيث يجعل رسالته ، فهو أعلم حيث يجعلها أصلا وميراثا.
وكما أنه ليس كلّ محلّ أهلا لتحمل الرسالة عنه وأدائها إلى الخلق ، فليس كل محل أهلا لقبولها والتصديق بها كما قال تعالى (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)) [الأنعام].
أي : ابتلينا واختبرنا بعضهم ببعض ، فابتلى الرؤساء والسادة بالأتباع والموالي والضعفاء ، فإذا نظر الرئيس والمطاع إلى المولى والضعيف أنفه