وأنف أن يسلم وقال : هذا يمنّ الله عليه بالهدى والسعادة دوني؟! قال الله تعالى (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)) [الأنعام] وهم الذين يعرفون النعمة وقدرها ، ويشكرون الله عليها بالاعتراف والذل والخضوع والعبودية ، فلو كانت قلوبكم مثل قلوبهم ، تعرفون قدر نعمتي وتشكروني عليها ، وتذكروني بها وتخضعون لي كخضوعهم ، وتحبوني كحبهم ، لمننت عليكم كما مننت عليهم ولكن لمنّني ونعمي محالّ لا تليق إلا بها ، ولا تحسن إلّا عندها ، ولهذا يقرن كثيرا بين التخصيص والعلم كقوله هاهنا (أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣)) [الأنعام] وقوله (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ (١٢٤)) [الأنعام] وقوله (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ ما كانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحانَ اللهِ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٨) وَرَبُّكَ يَعْلَمُ ما تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَما يُعْلِنُونَ (٦٩)) [القصص].
أي : سبحانه المتفرد بالخلق والاختيار مما خلق وهو الاصطفاء والاجتباء ، ولهذا كان الوقف التام عند قوله «ويختار» ثم نفى عنهم الاختيار الذي اقترحوه بإرادتهم ، وأن ذلك ليس إليهم بل إلى الخلاق العليم الذي هو أعلم بمحالّ الاختيار ومواضعه ، لا من قال (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ (٣١)) [الزخرف] فأخبر سبحانه أنه لا يبعث الرسل باختيارهم ، وأن البشر ليس لهم أن يختاروا على الله ، بل هو الذي يخلق ما يشاء ويختار.
ثم نفى سبحانه أن تكون لهم الخيرة كما ليس لهم الخلق ، ومن زعم أن «ما» مفعول يختار ، فقد غلط ، إذ لو كان هذا هو المراد ، لكانت الخيرة منصوبة على أنها خبر كان ، ولا يصح المعنى ما كان لهم الخيرة فيه وحذف العائد ، فإن العائد هاهنا مجرور بحرف ، لم يجر الموصول بمثله ، فلو حذف مع الحرف ، لم يكن عليه دليل ، فلا يجوز حذفه ، وكذلك لم يفهم معنى