الآية من قال : إن الاختيار هاهنا هو الإرادة كما يقوله المتكلمون أنه سبحانه فاعل بالاختيار ، فإن هذا الاصطلاح حادث منهم ، لا يحمل عليه كلام الله ، بل لفظ الاختيار في القرآن مطابق لمعناه في اللغة ، وهو اختيار الشيء على غيره ، وهو يقتضي ترجيح ذلك المختار وتخصيصه وتقديمه على غيره ، وهذا أمر أخص من مطلق الإرادة والمشيئة.
قال في الصحاح : الخيرة الاسم من قولك : خار الله لك في هذا الأمر ، والخيرة أيضا ، يقول : محمد خيرة الله من خلقه ، وخيرة الله أيضا بالتسكين ، والاختيار : الاصطفاء ، وكذلك التخيير والاستخارة طلب الخيرة ، يقال : استخر الله يخر لك. وخيّرته بين الشيئين : فوّضت إليه الاختيار ، انتهى. فهذا هو الاختيار في اللغة ، وهو أخص مما اصطلح عليه أهل الكلام ، ومن هذا قوله (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ (٣٦)) [الأحزاب] وقوله تعالى (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا (١٥٥)) [الأعراف] أي : اختار منهم ، وبهذا يحصل جواب السؤال الذي تورده القدرية ، يقولون في الكفر والمعاصي : هل هي واقعة باختيار الله أم بغير اختياره ، فإن قلتم باختياره ، فكل مختار مرضي مصطفى محبوب ، فتكون مرضية محبوبة له ، وإن قلتم : بغير اختياره ، لم يكن بمشيئته واختياره ، وجوابه أن يقال : ما تعنون بالاختيار العام في اصطلاح المتكلمين ، وهو المشيئة والإرادة ، أم تعنون به الاختيار الخاص الواقع في القرآن والسنة وكلام العرب؟ وإن أردتم بالاختيار الأول ، فهي واقعة باختياره ، بهذا الاعتبار ، لكن لا يجوز أن يطلق ذلك عليها ، لما في لفظ الاختيار من معنى الاصطفاء والمحبة ، بل يقال : واقعة بمشيئته وقدرته. وإن أردتم بالاختيار معناه في القرآن ولغة العرب ، فهي غير واقعة باختياره بهذا المعنى ، وإن كانت واقعة بمشيئته ، فإن قيل : فهل تقولون إنها واقعة بإرادته ، أم لا تطلقون ذلك؟.