قيل : لفظ الإرادة في كتاب الله نوعان : إرادة كونية شاملة لجميع المخلوقات كقوله (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ (١٦)) [البروج] وقوله (وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً (١٦)) [الإسراء] وقوله (إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ (٣٤)) [هود] ونظائر ذلك. وإرادة دينية أمرية ، لا يجب وقوع مرادها كقوله (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ (١٨٥)) [البقرة] وقوله (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ (٢٧)) [النساء] فهي مرادة بالمعنى الأول غير مرادة بالمعنى الثاني ، وكذلك قيل : هل هي واقعة بإذنه أم لا؟ والإذن أيضا نوعان : كونيّ كقوله (وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ (١٠٢)) [البقرة] وديني أمري كقوله (آللهُ أَذِنَ لَكُمْ (٥٩)) [يونس] وقوله (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا (٣٩)) [الحج].
ولفظ الاختيار مشتق من الخير المخالف للشر ، ولما كان الأصل في الحي أنه يريد ما ينفعه وما هو خير ، سميت الإرادة اختيارا ؛ وهذا يتضمن أن الإرادة لا ترجّح نوعا على نوع إلا لمرجّح رجّح ذلك النوع عند الفاعل ، والمقصود أنه يذكر العلم عند التخصيصات كقوله تعالى (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ (٣٢)) [الدخان].
لا خلاف بين الناس أن المعنى : على علم منا بأنهم أهل الاختيار ، فالجملة في موضع نصب على الحال ، أي : اخترناهم عالمين بهم وبأحوالهم وما يقتضي اختيارهم من قبل خلقهم. ذكر سبحانه اختيارهم وحكمته في اختياره إياهم ، وذكر علمه الدال على مواضع حكمته واختياره ، ومن هذا قوله سبحانه (وَلَقَدْ آتَيْنا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عالِمِينَ (٥١)) [الأنبياء] وأصح الأقوال في الآية أن المعنى : من قبل نزول التوراة فإنه سبحانه قال (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً وَذِكْراً لِلْمُتَّقِينَ (٤٨)) [الأنبياء] وقال (وَهذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ (٥٠)) [الأنبياء] ثم قال : ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل ذلك ، ولهذا قطعت «قبل» عن الإضافة ، وبنيت ، لأن المضاف