المنحرفين عنه عليهالسلام إذا مرّوا على كلامه في نهج البلاغة وغيره المتضمّن التحدّث بنعمة الله عليه من اختصاص الرسول صلىاللهعليهوآله وتمييزه إيّاه عن غيره ينسبونه إلى التيه والزّهو والفخر ، ولقد سبقهم بذلك قوم من الصّحابة قيل لعمر رضي الله عنه : ولّ عليّا أمر الجيش والحرب ، فقال : هو أتيه من ذلك ، وقال زيد ابن ثابت : ما رأينا أزهى من عليّ وأسامة. فأردنا بإيراد هذه الأخبار هاهنا عند شرح قوله عليهالسلام : نحن الشعار والأصحاب ونحن الخزنة والأبواب ، أن ننبه على عظم منزلته عند الرّسول صلىاللهعليهوآله وأنّ من قيل في حقّه ما قيل لو رقى إلى السماء وعرج في الهواء وفخر على الملائكة والأنبياء تعظما وتبجّحا لم يكن ملوما بل كان بذلك جديرا فكيف وهو عليهالسلام لم يسلك قط مسلك التعظيم والتكبير في شيء من أقواله وأفعاله وكان ألطف البشر خلقا وأكرمهم طبعا وأشدّهم تواضعا وأكثرهم احتمالا وأحسنهم بشرا وأطلقهم وجها حتّى نسبه من نسبه إلى الدّعابة والمزاح وهما خلقان ينافيان التكبّر والاستطالة ، وإنّما كان يذكر أحيانا ما يذكر من هذا النّوع نفثة مصدور وشكوى مكروب وتنفس مهموم ولا يقصد به إذا ذكره إلّا شكر النعمة وتنبيه الغافل على ما خصّه الله به من الفضيلة فإنّ ذلك من باب الأمر بالمعروف ، والحضّ على اعتقاد الحق والصواب في أمره ، والنهي عن المنكر الذي هو تقديم غيره عليه في الفضل ، فقد نهى الله سبحانه عن ذلك فقال (أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدى فَما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) (١).
وقال ابن أبي الحديد في موضع من الشّرح : وأمّا فضائله عليهالسلام فإنّها قد بلغت من العظم والانتشار مبلغا يسمج معه التعرّض لذكرها والتصدّي لتفصيلها فصارت كما قال أبو العيناء لعبيد الله بن يحيى ابن خاقان وزير المتوكّل والمعتمد رأيتني فيما أتعاطى من وصف فضلك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر والقمر الزّاهر الّذي لا يخفى على الناظر فأيقنت أنّي حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز مقصر عن الغاية فانصرفت عن الثّناء عليك إلى الدّعاء لك ووكلت الأخبار عنك إلى علم الناس بك.
فما أقول في رجل أقرّ له أعداؤه وخصومه بالفضل ولا يمكنهم جحد مناقبه ولا كتمان فضائله فقد علمت أنّه استولى بنو أميّة على سلطان الإسلام في مشرق الأرض وغربها ، واجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره والتحريض عليه ووضع المعايب والمثالب له ولعنوه على جميع المنابر ، وتوعدوا مادحيه بل حبسوهم وقتلوهم ومنعوا من رواية حديث يتضمّن له فضيلة أو ترفع له ذكرا حتّى حظروا أن يسمّى أحد باسمه ، فما زاده ذلك إلّا رفعة وسموّا ، وكان كالمسك كلّما ستر انتشر
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ٩ / ١٧٤ ، والآية في سورة يونس : ٣٥.