وقديم سابقته وقرابته من نبي الله ونصرته ومواساته إيّاه في كلّ هول وخوف ، واحتجاجك عليّ وفخرك بفضل غيرك لا بفضلك ، فاحمد إلها صرف ذلك الفضل عنك وجعله لغيرك ، فقد كنّا وأبوك معنا في حياة نبيّنا نرى حقّ ابن أبي طالب لازما لنا وفضله مبرزا علينا ، فلمّا اختار الله لنبيّه ما عنده وأتمّ له ما وعده وأظهر دعوته وأفلج حجّته قبضه الله إليه ، فكان أبوك وفاروقه أوّل من ابتزّه وخالفه ، على ذلك اتّفقا واتّسقا ثمّ دعواه إلى أنفسهما فأبطأ عنهما وتلكآ عليهما ، فهمّا به الهموم وأرادا به العظيم فبايعهما وسلم لهما لا يشركانه في أمرهما ولا يطلعانه على سرّهما ، حتّى قبضا وانقضى أمرهما ثمّ أقاما بعدهما ثالثهما عثمان بن عفّان يهتدي بهداهما ويسير بسيرتهما ، فعبته أنت وصاحبك حتّى طمع فيه الأقاصي من أهل المعاصي ، وبطنتما وظهرتما وكشفتما له عداوتكما وغلّكما حتّى بلغتما منه مناكما ، فخذ حذرك يا ابن أبي بكر فسترى وبال أمرك ، وقس شبرك بفترك يقصر عن ان تساوى أو توازى من يزن الجبال حلمه ولا يلين على قسر قناته ولا يدرك ذو مدى أناته ، أبوك مهّد له مهاده وبنى ملكه وشاده ، فإن يكن ما نحن فيه صوابا فأبوك أوّله وإن يكن جورا فأبوك أسّه ونحن شركاؤه ، فبهديه أخذنا وبفعله اقتدينا ، رأينا أباك فعل ما فعل فاحتذينا مثاله واقتدينا بفعاله ، فعب أباك بما بدا لك أو دع ، والسلام على من أناب ، ورجع عن غوايته وتاب (١).
الحادي عشر : روى عامر الشعبي وهو من النواصب المنحرفين عن أمير المؤمنين عليهالسلام ، رواه عن عروة بن الزبير بن العوّام قال : لمّا قال المنافقون : إنّ أبا بكر تقدّم عليّا ، وهو يقول : أنا أولى بالمكان منه قام أبو بكر خطيبا فقال : صبرا على من ليس يؤول إلى دين ولا يحتجب برعاية ولا يرعوي لولاية ، أظهر الايمان ذلّة وأسرّ النفاق غلّة ، هؤلاء عصبة الشيطان وجمع الطغيان يزعمون أنّي أقول : إنّي أفضل من عليّ ، وكيف أقول ذلك وما لي سابقته ولا قرابته ولا خصوصيّته؟ عبد الله [وحدّ الله] وأنا موحده ، وعبده قبل أن أعبده ، ووالى الرسول وأنا عدوّه ، وسبقني بساعات لو انقطعت لم ألحق شأوه ولم أقطع غباره ، وإنّ ابن أبي طالب فاز من الله بمحبّة ومن الرسول بقربة ومن الأيمان برتبة ، لو جهد الأوّلون والآخرون لم يبلغوا درجته ولم يسلكوا منهجه ، بذل لله مهجته ولابن عمّه مودّته ، كاشف الكرب ودامغ الرّيب وقاطع السّبب إلّا سبب الرّشاد وقامع الشرك ومظهر ما تحت سويداء حبّة النفاق محنة لهذا العالم ، لحق قبل أن يلاحق ، وبرز قبل أن يسابق ، جمع العلم والفهم فكان جميع الخيرات لقلبه كنوزا ، لا يدخر منها مثقال ذرّة إلّا أنفقه في بابه فمن ذا يؤمّل أن ينال
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ٣ / ١٨٨.