فبايع (١).
السادس عشر : ابن أبي الحديد قال : قال أبو بكر : وحدّثنا يعقوب عن رجاله قال : لمّا بويع أبو بكر تخلّف عليّ فلم يبايع فقيل لأبي بكر : إنّه كره إمارتك فبعث إليه أكرهت إمارتي؟ قال : لا ، ولكنّ القرآن خشيت أن يزاد فيه ، أو قال : كان يزاد فيه فحلفت أن لا أرتدي برداء حتّى أجمعه اللهمّ إلّا إلى صلاة الجمعة فقال أبو بكر : لقد أحسنت قال : فكتبه عليّ عليهالسلام كما أنزل بناسخه ومنسوخه (٢).
السابع عشر : ابن أبي الحديد قال : ومن كتاب له عليهالسلام إلى معاوية جوابا وهو من محاسن الكتب : أمّا بعد فقد أتاني كتابك ، اصطفى الله تعالى محمّدا صلىاللهعليهوآله لدينه وتأييده إيّاه بمن أيّده من أصحابه ، فلقد خبأ لنا الدهر منك عجبا إذ طفقت تخبرنا ببلاء الله تعالى عندنا ونعمته علينا في نبيّنا ، فكنت في ذلك كناقل التمر إلى هجر ، وداعي مسدّده إلى النضال ، وزعمت أنّ أفضل الناس في الإسلام فلان وفلان فذكرت أمرا إن تمّ اعتزلك كلّه وإن نقص لم يلحقك ثلمه ، وما أنت والفاضل والمفضول والسائس والمسوس ، وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأوّلين وترتيب درجاتهم وتعريف طبقاتهم؟ هيهات لقد حنّ قدح ليس منها ، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها إلّا تربّع أيّها الإنسان على ظلعك أو تعرف قصور ذرعك وتتأخّر حيث أخّرك القدر ، فما عليك غلبة المغلوب ولا ظفر الظافر ، وانّك لذهّاب في التيه ، روّاغ عن القصد.
ألا ترى غير مخبر لك ولكن بنعمة الله أحدث أنّ قوما استشهدوا في سبيل الله من المهاجرين ولكلّ فضل حقّ ، إذا استشهد شهيدنا قيل سيد الشهداء وخصّه رسول الله صلىاللهعليهوآله بسبعين تكبيرة عند صلاته عليه؟ أو لا ترى أنّ قوما قطّعت أيديهم في سبيل الله ولكلّ فضل حتّى إذا فعل بواحد ما فعل بواحدهم قيل الطيّار في الجنّة وذو الجناحين؟ ولو لا ما نهى الله عنه من تزكية المرء نفسه لذكر ذاكر فضائل جمّة تعرفها قلوب المؤمنين ولا تمجها آذان السامعين ، فدع عنك من مالت به الرميّة ، فإنّا صنائع ربّنا والناس بعد صنائع لنا لم ينفعنا قديم عزّنا ولا عادي طولنا على قومك إن خلطناكم بأنفسنا فنكحنا وأنكحنا فعل الاكفاء ولستم هناك وأنّى لا يكون ذلك كذلك ، ومنّا النبيّ ومنكم المكذّب ومنّا أسد الله ومنكم أسد الأحلاف ومنّا سيّدا شباب أهل الجنّة ومنكم صبية النار ، ومنّا خير نساء العالمين ومنكم حمّالة الحطب في كثير ممّا لنا وعليكم ، فإسلامنا ما قد سمع وجاهليتنا لا تدفع وكتاب الله مجمع لنا ما شذّ عنّا وهو قوله : (وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ) وقوله تعالى : (إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٥.
(٢) شرح نهج البلاغة : ٦ / ٤٠.