فنحن مرّة أولى بالقرابة وتارة أولى بالطاعة ، ولمّا احتجّ المهاجرون على الأنصار يوم السقيفة برسول اللهصلىاللهعليهوآله فلجوا عليهم ، فإن لم يكن الفلج لهم فالحقّ لنا دونكم وان يكن بغيره فالأنصار على دعواهم ، وزعمت أنّي لكلّ الخلفاء حسدت وعلى كلّهم بغيت فإن يكن ذلك كذلك فليس الجناية عليك فيكون العذر إليك وتلك شكاة ظاهر عنك عارها وقلت : إنّي كنت اقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتّى أبايع ، ولعمر الله لقد أردت أن تذمّ فمدحت ، وأن تفضح فافتضحت وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوما ما لم يكن شاكّا في دين الله ولا مرتابا بيقينه وهذه حجّتي إلى غيرك قصدها ولكني اطلقت لك منها بقدر ما سنح من ذكرها (١).
الثامن عشر : ابن أبي الحديد قال : قال المسعودي : وكان عروة بن الزبير يعذر أخاه عبد الله في حصر بني هاشم في الشعب وجمعه الحطب ليحرقهم ويقول : إنّما أراد بذلك أن لا تنشر الكلمة ولا يختلف المسلمون وان يدخلوا في الطاعة فتكون الكلمة واحدة كما فعل عمر بن الخطّاب ببني هاشم لمّا تأخّروا عن بيعة أبي بكر فانّه أحضر الحطب ليحرق عليهم الدار (٢).
التاسع عشر : ابن أبي الحديد قال : روي عن جعفر بن محمّد وغيره أنّ عمر ضرب فاطمة بالسوط وضرب الزبير بالسيف ، وأنّ عمر قصد منزلها وفيه عليّ الزبير والمقداد وجماعة ممن تخلّف عن أبي بكر وهم مجتمعون هناك فقال لها : ما أحد بعد أبيك أحبّ إلينا منك وايم الله لئن اجتمع هؤلاء النفر عندك لنحرقنّ عليهم ، فمنعت القوم من الاجتماع (٣).
العشرون : ابن أبي الحديد قال بعد نقله هذه الأخبار : واعلم أنّ الآثار والأخبار في هذا الباب كثيرة جدّا ومن تأمّلها وأنصف علم انّه لم يكن هناك نصّ صريح مقطوع به لا تختلجه الشكوك ولا تتطرق إليه الاحتمالات كما تزعم الإمامية فإنّهم يقولون : إنّ الرسول صلىاللهعليهوآله نصّ على أمير المؤمنين عليهالسلام نصّا صريحا جليّا ليس بنصّ يوم الغدير ولا خبر المنزلة ولا ما شابهها من الأخبار الواردة من طرق العامّة وغيرها ، بل نصّ عليه بالخلافة وبإمرة المؤمنين ، وأمر المسلمين أن يسلّموا عليه بذلك فسلّموا عليه بها وصرّح لهم في كثير من المقامات بأنّه خليفته عليهم من بعده وأمرهم بالسمع والطاعة له ولا ريب ، انّ المنصف إذا سمع ما جرى لهم بعد وفاة رسول الله صلىاللهعليهوآله يعلم قطعا أنّه لم يكن هذا النصّ ولكن سبق إلى النفوس والعقول أنّه قد كان هناك تعريض وتلويح وكناية وقول غير فصيح وحكم غير مبتوت ، ولعلّهصلىاللهعليهوآله كان يصده عن التصريح بذلك أمر يعلمه ومصلحة
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ١٥ / ١٨١ ـ ١٨٣.
(٢) شرح نهج البلاغة : ٢٠ / ١٤٧.
(٣) شرح نهج البلاغة : ١٦ / ٢٧١.