بالمدينة ، قال ابن عبّاس ؛ فلمّا قدمناها هجرت يوم الجمعة لحديث عبد الرحمن ، فلمّا جلس عمر على المنبر حمد الله وأثنى عليه ثمّ قال بعد أن ذكر الرجم وحدّ الزنا : إنّه بلغني انّ قائلا منكم يقول : لو مات أمير المؤمنين بايعت فلانا فلا يغرنّ امرؤ أن يقول أنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة ، فلقد كانت كذلك ولكنّ الله وقى شرّها وليس فيكم من تقطع إليه الأعناق كأبي بكر وإنّه كان خيرنا حين توفي رسول اللهصلىاللهعليهوآله ، إنّ عليّا والزبير تخلّفا عنّا في بيت فاطمة ومن معهما ، وتخلّفت عنّا الأنصار واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر ، وساق حديث أبي بكر.
قال شيخنا أبو القاسم البلخي : قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ : إنّ الرجل الذي قال : لو مات عمر لبايعت فلانا عمّار بن ياسر قال : لو مات عمر لبايعت عليّا (١).
ثمّ قال ابن أبي الحديد : وامّا حديث الفلتة فقد كان سبق من عمر رضى الله عنه أن قال : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرّها ومن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، وهذا الخبر ذكرناه عن ابن عبّاس وعبد الرحمن بن عوف فيه حديث الفلتة ولكنّه منسوق على ما قاله أوّلا ، ألا تراه يقول : فلا يغرنّ امرؤ أن يقول : إنّ بيعة أبي بكر كانت فلتة فلقد كانت كذلك؟ فهذا يشعر بأنّه قد كان قال من قبل : إن بيعة أبي بكر كانت فلتة ، وقد أكثر الناس في حديث الفلتة وذكرها شيوخنا المتكلّمون (٢).
الثالث : ابن أبي الحديد ، وروى الهيثم بن عدي عن عبد الله بن عبّاس الهمداني عن سعيد بن جبير قال : ذكر أبو بكر وعمر عند عبد الله بن عمر فقال رجل : كانا والله شمسي هذه الامّة ونوريها ، فقال ابن عمر : وما يدريك؟ قال الرجل : أوليس قد ائتلفا؟ قال ابن عمر : بل اختلفا لو كنتم تعلمون ، أشهد أنّي كنت عند أبي يوما وقد أمرني أن أحبس الناس عنه فاستأذن عليه عبد الرحمن بن أبي بكر فقال عمر : دويبّة سوء ولهو خير من أبيه ، فأوحشني ذلك منه فقلت : يا أبة ، عبد الرحمن خير من أبيه؟ فقال : ومن ليس خير من أبيه لا أم لك؟ فقال : ايذن لعبد الرحمن فدخل عليه فكلّمه في الحطيئة الشاعر أن يرضى عنه ، وقد كان عمر حبسه في شعر قاله ، فقال عمر : إنّ في الحطيئة أودا فدعني أقوّمه بطول حبسه ، فألحّ عليه عبد الرحمن وأبى عمر ، فخرج عبد الرحمن فأقبل على أبي وقال : أفي غفلة أنت إلى يومك هذا عمّا كان من تقدّم أحيمق بني تيم عليّ وظلمه لي؟ فقلت : لا علم لي بما كان من ذلك قال : يا بني فما عسيت أن تعلم؟ فقلت والله لهو أحبّ إلى الناس من ضياء أبصارهم قال : إنّ ذلك كذلك على رغم ابيك وسخطه قلت : يا أبة أفلا تجلي عن فعله بموقف في الناس تبيّن ذلك لهم؟ قال : وكيف لي بذلك مع ما ذكرت انّه أحبّ إلى الناس من ضياء أبصارهم ، إذا
__________________
(١) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٢.
(٢) شرح نهج البلاغة : ٢ / ٢٦.