حصولها يوجد الطول والعرض والعمق في الجسم. ثم إنهم فرعوا على هذا الأصل ، وقالوا : إن الجسم قد يوجد في الأعيان منفكا عن الخط مثل : الكرة المصمتة الخالية عن الحركة. فإن هذا الجسم لا يوجد فيه شيء من الخطوط البتة : وأما السطح فإن الجسم لا ينفك عنه في الأعيان. لأن كل جسم فهو متناهي. وكل متناهي ، فلا بد وأن يحيط به حد واحد ، أو حدود بالفعل. وذلك يدل على أن الجسم لا ينفك في الأعيان عن وجود السطح ، إلا أنه قد ينفك عنه في الوجود الذهني. لأنه يمكننا أن نتصور جسما غير متناهي ، إلى أن يقوم الدليل على امتناعه. ولو كان السطح جزءا من ماهية الجسم ، لامتنع تصور الجسم جسما ، إلا إذا عقلناه متناهيا. لأن تصور الماهية منفكا عن أجزائها : محال. وأما المقدار والحجمية ، فإن ذات الجسم ، وإن كان لا ينفك عنهما (١) ، لا في الوجود الخارجي ، ولا في الوجود الذهني. إلا أنه ثبت بالدليل : أنه مغاير للجسمية. ويدل عليه وجوه :
الأول : إنا [إذا (٢)] أخذنا قطعة من الشمعة ، وشكلناها بالأشكال المختلفة ، فإن الجسمية الواحدة بعينها باقية ، وأما المقادير المختلفة ، فهي متعاقبة عليها ، والباقي مغاير لما هو غير باق.
والثاني : وهو أن الأجسام متساوية في الجسمية ، ومختلفة في المقادير. وما به المشاركة غير ما به المخالفة. فالجسمية مغايرة للمقادير.
والثالث : إنه ثبت بالدليل : أن الجسم الواحد مع بقاء ذاته ، يقبل التخلخل والتكاثف. فههنا ذات الجسم الواحد باقية بعينها ، مع أن المقادير المختلفة متواردة عليها ، فوجب أن يكون المقدار مغايرا لذات الجسم. قالوا : فثبت بما ذكرنا : أن كون الجسم جسما ، أمر مغاير لكونه طويلا عريضا عميقا ، فامتنع تعريف الجسم بهذا الحد ، واعلم أنا بينا : أن بتقدير أن يكون الجسم مركبا من الأجزاء التي لا تتجزأ ، فإن قولنا : الجسم هو الطويل العريض
__________________
(١) عنها في الوجود (م).
(٢) من (ط).