والفعل الحاصل بالقصد والاختيار ، لا يحصل إلا مع العلم ، بالفعل المقصود ، والأمر المطلوب.
فكان يجب فيمن يمشي مشيا بطيئا ، أن يعلم بالضرورة : أنه تحرك في الحيز الفلاني ، وأنه وقف في الحيز الفلاني. لأن الفعل الذي فعله بقصده واختياره ، لا بد وأن يكون عالما بأنه كيف اختاره؟ وكيف أوجده؟ ولما لم يكن الأمر كذلك ، بل الذي يمشي مشيا بطيئا ، يعتقد أنه متحرك في جميع الأحوال ، مع صفة البطء. علمنا : أن البطء في الحركة ، لا يمكن أن يكون لأجل تخلل السكنات.
واعلم : أن هاهنا وجوها كثيرة ، يستدل بها القائلون بإثبات الطفرة. ونحن ننقلها ، ونبين أنها دالة على أنه قد توجد حركتان خاليتان عن تخلل السكنات ، مع أن إحداهما أسرع من الأخرى. وحينئذ تصير تلك الوجوه كلها دالة على أن البطء ليس لأجل تخلل السكنات. فثبت بهذه الوجوه : أن التفاوت بين الحركة السريعة والبطيئة ، ليس لأجل تخلل السكنات. وإذا ثبت هذا ، فنقول : وجب أن يكون الجسم قابلا للقسمة إلى غير النهاية ، وأن يكون الزمان أيضا قابلا للقسمة إلى غير النهاية. والدليل عليه : أن المتحرك السريع ، إذا تحرك على جوهر واحد ، في قدر من الزمان. ففي مثل ذلك الزمان ، إذا تحرك المتحرك البطيء على جوهر واحد ، لزم أن يكون البطيء مثل السريع. وهو محال. فوجب أن يتحرك المتحرك البطيء في مثل تلك المدة على أقل من الجوهر الواحد. وذلك يوجب انقسام الجوهر. وأيضا : المتحرك البطيء إذا تحرك على جوهر واحد ، في قدر من الزمان. فالسريع إما أن يتحرك على الجوهر الواحد ، في مثل ذلك الزمان ، أو في أقل منه. والأول [باطل(١)] وإلا لزم أن يكون السريع مثل البطيء. وإنه محال. بقي الثاني وهو أن السريع يتحرك على الجوهر الواحد ، في أقل من الزمان ، الذي يتحرك البطيء فيه على الجوهر الواحد. فثبت : أن السريع والبطيء إذا تساويا في الزمان ، كانت مسافة
__________________
(١) من (ط ، س).