المعين من التتابع : مختص بذلك المدار ، بمعنى أنه واجب الحصول فيه ، وممتنع الحصول في غيره. وإذا ثبت هذا ، فقد ظهر أن كل واحد من المدارات التي يمكن فرضها فيه ، فإنه مختص بخاصية معينة. ومتى كان الأمر كذلك ، كانت المدارات الممكنة موجودة فيه بالفعل. فلو كانت تلك المدارات غير متناهية ، لزم أن الكرة المستديرة مركبة من أجزاء لا نهاية لها بالفعل. وذلك محال. فثبت : أن المدارات الممكنة فيه : متناهية. وإذا ثبت [هذا (١)] كان القول بالجوهر الفرد : حقا. وإذا ثبت هذا ، كان القول بالكرة والدائرة : باطلا. قطعا على ما ثبت تقريره.
الحجة الرابعة : إن كل كرة مجوفة مثل : الأفلاك. فإن سطحها الخارج أعظم من الداخل. وأيضا : سطحها الخارج محدب ، وسطحها الباطن مقعر. وإذا كان كذلك ، فقد اختص كل واحد من هذين السطحين بصفات ، يمتنع ثبوتها في الآخر. فوجب أن ينفصل ثخن ذلك الفلك إلى نصفين ، ثم الحال (٢) في كل واحد من نصفيه كما سبق. فلو كان ثخنه قابلا لانقسامات غير متناهية ، لزم كونه مركبا من أجزاء غير متناهية بالفعل. وذلك باطل. فوجب أن يكون ثخنه قابلا لانقسامات متناهية.
فيكون القول بالجوهر الفرد. حقا. فيكون القول بإثبات الكرة والدائرة : باطلا. على ما تقدم بيانه.
وأما الحجة المبنية على قولهم : «شكل الجوهر الفرد. إما أن يكون هو الكرة أو المضلع» فنقول : الحق : أن الجوهر الفرد. لا كرة ولا مضلع. لأن هذا إنما يعقل فيما يكون مؤلفا من الجوانب والأبعاض. والجوهر الفرد ليس كذلك. فلا يمكن وصفه بشيء من هذه الصفات.
__________________
(١) من (ط).
(٢) المحال (ط).