في تلك الآنات ، التي لا نهاية لها؟ فإن ادعيتم : العلم الضروري بأن الشيء الذي له ، طرفان ، يمتنع أن يحصل فيما بين ذينك الطرفين أجزاء ، لا نهاية لها بالفعل. فنقول : إن صح هذا الكلام فاذكروه في الجسم ، ولا تتعرضوا للزمان ولا للحركة البتة. وإن لم يمتنع ذلك الاحتمال في الجسم ، فكذا لا يمتنع مثله في الزمان وفي الحركة.
والجواب عن السؤال الأول من وجوه :
الأول : إن كون المتحرك منتقلا من مكان إلى مكان بعيد عنه ، من غير أن يمر بما بينهما ، مع كونه باقيا في الأحوال كلها : معلوم الفساد بالبديهة.
الثاني : إن بتقدير أن يكون الطفر ممكنا في الجملة ، لكنه غير واقع. لأنا إذا لطخنا الإصبع بالمداد ، ثم أمررناه على المسافة من أولها إلى آخرها. فإنه يحصل هناك خط مستقيم أسود. وذلك يقتضي أن المتحرك قد مس جميع أجزاء المسافة. فإن قالوا : لم لا يجوز أن يقال: إنه حصل السواد في بعض أجزاء المسافة ، بسبب حصول المماسة ، ولم يحصل في الباقي بسبب الطفرة. ثم إن تلك الأجزاء اختلط بعضها بالبعض ، ولا يميز الحس بينها. فلا جرم يرى الكل على لون السواد؟. فنقول : إن بتقدير أن يصح القول بالطفرة ، فإن الأجزاء التي صارت ممسوسة متناهية ، والأجزاء التي وقعت الطفرة [عليها (١)] غير متناهية. فالنوع الأول من الأجزاء قليلة جدا بالنسبة إلى النوع الثاني منها. فإذا كان المتلطخ بالسواد هو النوع الأول فقط ، وجب أن تبقى تلك الأجزاء القليلة (٢) في تلك الأجزاء الكثيرة. وحيث لم يكن الأمر كذلك ، علمنا : أن كل الأجزاء صارت ممسوسة عند الحركة. وحينئذ يعود الإلزام.
الوجه الثاني في الجواب عن الطفر : أن نقول : هب أن المتحرك طفر على بعض أجزاء المسافة. لكن لا شك أنه تحرك على بعضها. فذلك البعض
__________________
(١) من (ط).
(٢) فحينئذ (م).