النبي والمسلمين ليوم آخر يلتقون فيه في بدر في السنة المقبلة ، وأجابه المسلمون بأمر النبي بالموافقة وهذا مما اعتاده العرب في حروبهم فلما جاء الموعد خرج النبي على رأس فريق من أصحابه حتى بلغ بدرا فلم يجدوا قريشا وشهدوا سوق بدر وكان لهم فيها ربح تجاري عظيم وعادوا ولم يلقوا كيدا أو سوءا. وابن سعد يذكر وقوع الغزوتين وأسبابهما التي ذكرها المفسرون (١).
وروح الآيات وفحواها يلهمان أنها في صدد مشهد جهادي فور وقعة أحد وما زالت مرارة الوقعة وجراحها شديدة الأثر في المسلمين. وهذا مما يتوافق مع الرواية الأولى ومع الآيات أكثر وإن كان هذا لا يمنع أن تكون قريش قد هتفوا بموعد بدر للسنة القابلة حينما انصرفوا من أحد ثم فكروا في الكرّة.
والمتبادر أن الآيات لم تنزل لحدتها ، وليست منفصلة عن سابقاتها. وكلمة (الَّذِينَ) متصلة نظما بكلمة (الْمُؤْمِنِينَ) التي كانت خاتمة الآيات السابقة وأن السلسلة كلها نزلت دفعة واحدة عقب أحداث وقعة أحد ومشاهدها. وكل ما هناك أن هذه الآيات احتوت التنويه باستجابة المؤمنين لدعوة النبي وخروجهم معه رغم ما أصابهم من قرح. وهو ما جعل الرواة يروون أنها نزلت في ذلك.
والآيات تحتوي صورة رائعة لاستغراق النبي صلىاللهعليهوسلم في دعوته والجهاد في سبيلها وعمق إيمان العصبة المخلصة التي كانت حوله في الله وشدة اعتمادها عليه وصبرها وتفانيها وقوة روحها واستغراقها في تأييد النبي وطاعته وعدم مبالاتها بما كان ينالها من بلاء وأذى في سبيل الله وإعلاء كلمته. وبخاصة في الحالة التي نزلت فيها حيث استجابوا وخرجوا إلى عدو يزيد عدده عليهم أضعافا كثيرة ويفوقهم في الوسائل وقد انتصر عليهم ونالهم منه أذى شديد ،
__________________
أصاب نبي الله ما أصابه يوم أحد وانصرف عنه المشركون خاف أن يرجعوا فقال من يذهب في أثرهم فانتدب منهم سبعين رجلا كان من بينهم أبو بكر والزبير). التاج ، ج ٤ ص ٧٧ وقد يكون في الحديث التباس أو اقتضاب.
(١) ابن سعد ج ٣ ص ٩٠ ـ ٩١ و ١٠٠ ـ ١٠٢.