وكانت جراحهم دامية وأجسادهم متعبة بما فيهم رسول الله الذي كان مجروحا في وجهه مشجوجا في جبهته مكسورة رباعيته مكلومة شفته السفلى متوهنا منكبه الأيمن من ضربة أصابته وركبتاه مشجوجتان (١). ويزيد في روعة الصورة أن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يندب على ما روته الروايات إلّا الذين شهدوا معركة أحد وقاتلوا فيها ولم ينهزموا. وقد روي أن عددهم كانوا سبعين (٢). ومما رواه المفسرون (٣) من روائع هذه الصورة أن رجلين من الأنصار كانا جريحين فلما أذّن مؤذن النبي بالخروج قالا لبعضهما أتفوتنا غزوة مع رسول الله ولم يكن لهما دابة يركبانها فخرجا مع ذلك. وكان أحدهما أشدّ جراحا من الآخر فكان أخوه يحمله من حين إلى آخر حتى بلغا ركب النبي! ومن ذلك أن شابا استشهد أبوه في المعركة ولم يكن شهدها بنفسه لأن أباه آلى عليه أن يتخلف إلى جانب سبع أخوات له فجاء إلى النبي وطلب منه الإذن بالانضمام إليه بعد أن أخبره بعذره الذي منعه من شهود المعركة! وفي كل هذا عظيم الأسوة والتلقين لكل مسلم في كل ظرف ومكان.
ولقد روى البخاري عن ابن عباس قال : «حسبنا الله ونعم الوكيل قالها إبراهيم عليهالسلام حين ألقي في النار. وقالها محمّد حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم» (٤). حيث ينطوي في الحديث إيذان بأن هذه الجملة مما كان يرددها أنبياء الله حين يحزبهم أمر من الأمور فيستمدون بذلك من الله قوة وروحا.
ولقد أورد ابن كثير في سياق الآية حديثا أخرجه ابن مردويه عن أبي هريرة قال : «قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إذا وقعتم في الأمر العظيم فقولوا حسبنا الله ونعم
__________________
(١) هذه رواية ابن سعد ج ٣ ص ٩٠ ـ ٩١.
(٢) انظر تفسير الطبري والخازن.
(٣) انظر تفسير الطبري.
(٤) التاج ج ٤ ص ٨٨.