«كان النبيّ صلىاللهعليهوسلم يخطب ثمّ يقعد ثم يقوم كما تفعلون الآن» (١). وفي رواية : «كان للنبيّ خطبتان يجلس بينهما» (٢).
وهناك بعض أحكام فرعية للفقهاء فيها بعض الخلاف ليس هنا موضع التبسّط فيها غير أننا نرى أن نشير إلى نقطة هامة كثر القول فيها وهي فكرة اتخاذ يوم الجمعة يوم عطلة وراحة للمسلمين. فالذي يتبادر لنا أن الأمر بترك البيع والسعي إلى الصلاة كان من مقتضى الواقع أو بسبب كون البيع هو الذي كان يشغل الناس عن السعي إلى صلاة الجمعة أكثر. ولا يعني أن الذين لا يبتاعون مسموح لهم أن يتابعوا ما هم فيه من عمل وغير مأمورين إلى تركه والسعي إلى صلاة يوم الجمعة حينما يؤذن لها. بحيث يصحّ القول إن الآيات هي في صدد شهود الصلاة وسماع الخطبة في وقتها المعيّن ، وحظر البيع والاشتغال بأمور الدنيا المباحة في هذا الوقت وإباحة ذلك بعد انقضاء الصلاة. وليس فيها ما يمنع اتخاذ هذا اليوم يوم راحة وعطلة أسبوعية كما أنه ليس فيها ما يوجب ذلك. وهذا شأن كسائر الشؤون الاجتماعية المباحة متروك لما يراه المسلمون ويتفقون عليه فيما يتبادر لنا. وإذا كان رأي أولي الأمر وعاداتهم المباحة مما يكون مرجحا في شؤون مسلمين التي لم يرد فيها نصّ فإن ذلك في جانب اتخاذ هذا اليوم يوم راحة وعطلة أسبوعية عام لأن الأولي الأمر ومصالح الحكومة جرت على هذا منذ الأمد الطويل. ولقد رأينا المفسر القاسمي يقول إن جملة : (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) تدل على عدم مشروعية تعطيل يوم الجمعة الذي فيه تشبيه بأهل الكتاب. ولسنا نرى هذا محلّه. فالآيات انطوت على تقرير كون الممنوع هو البيع والشراء وقت الصلاة ثم إباحتهما بعدها. والإباحة لا تعني الإيجاب. وفي الأحاديث السابقة حثّ نبوي على الاحتفال بيوم الجمعة من لبس ثوب نظيف غير ثوب المهنة والاغتسال والتطيّب مما يمكن أن يكون فيه تدعيم لفكرة اتخاذ هذا اليوم يوم عيد وعطلة وراحة للمسلمين ، والله تعالى أعلم.
__________________
(١) التاج ج ١ ص ٢٤٤ ـ ٢٦٢ ، وتفسير ابن كثير.
(٢) المصدر نفسه.