كرامة النبي صلىاللهعليهوسلم ونزاهة أخلاقه وتصرفه منها. ولقد دافع الكتاب والمتكلمون والمفسرون قديما وحديثا وحاولوا أن يضعوا الأمر في نصابه الحق. ومنهم من رأى بين الروايات دسّا مقصودا أو خلطا وتشويشا (١).
والروايات لم ترد في كتب الصحاح. وليست موثقة. ولم ترد في كتب ابن هشام وابن سعد وهي أقدم ما وصل إلينا من كتب تؤرخ السيرة النبوية. وقد أثبت مؤلفوها ما أثبتوه فيها نقلا عن مدونات قديمة أو تسجيلا لروايات معنعنة من راو إلى راو إلى عهد النبي صلىاللهعليهوسلم. وهذا مهم في بابه. ولا نستبعد أن تكون الرواية التي تذكر إعجاب النبي بجمال زينب حينما رآها بدرع وخمار وميل قلبه إليها وما ترتب على ذلك من نتائج من مدسوسات الزنادقة والشعوبيين غير المؤمنين في القرنين الثالث والرابع الذين كانوا يحاولون هدم الإسلام وتشويهه بكثير من الدسائس والمقالات بل نحن نكاد نجزم بذلك.
ومن الحق أن تكون الآيات نفسها هي السند الأوثق والمستلهم الأقوى. فإذا أمعن في نصها وروحها ظهر أن المسألة في أصلها متعلقة بتقليد التبني أصلا وفرعا. وأمكن استلهاما من نصوصها ومن بعض الروايات الواردة في صددها تسلسل صورها على النحو التالي :
١ ـ خطب النبي صلىاللهعليهوسلم زينب لزيد فاعتذرت وتمنّعت لأسباب قد يكون منها أن زيدا على كل حال ليس ابن النبي وأنها أنبل أرومة منه. ومسألة الكفاءة كانت مسألة مهمة في الاجتماع العربي. فأنزل الله الآية الأولى فلم يسعها إلّا الاستجابة لله ورسوله ولكنها ظلّت تشعر بالغضاضة وهذا ما ذكره الطبري.
٢ ـ وشعر زيد بذلك فصبر على مضض. فلما استمر صار الأمر مزعجا له وباعثا لشكواه وراجع النبي صلىاللهعليهوسلم في شأن طلاقها.
__________________
(١) انظر كتب حياة محمد لهيكل طبعة ثانية ص ٣٠٧ ـ ٣١٠ ، وانظر أقوال المفسرين الطبري والبغوي والطبرسي والخازن والزمخشري والقاسمي. وقد نقل الأخير عن الإمام ابن العربي وعن الإمام محمد عبده كلاما قويا في ذلك.