٣ ـ وكان التبني يستتبع حرمة النكاح. فلما اقتضت حكمة التنزيل التنديدية في أوائل السورة تنديدا شديدا يتضمن إبطاله لأنه ليس مما يقرّه الله وبيان ما يجب عمله إزاء الأبناء بالتبني اقتضت إبطال ما يستتبعه ومن ذلك تحليل زواج المتبني من مطلقة متبناه. وكان التقليد راسخا فلم يجرؤ أحد على الإقدام على ذلك. فألهم الله النبي أن يقدم عليه بنفسه. ولكنه تردد في تنفيذ ما ألهمه الله تحسبا لانتقاد الناس فأمر زيدا بتحمل زوجته. وكان هذا سبب العتاب الموجه إلى النبي صلىاللهعليهوسلم. فرسل الله هم حملة رسالته ومبلّغوها. ولا ينبغي لهم أن يحسبوا حسابا لغيره ... ثم ثبت الله قلبه وأزال تردده وألهمه أن في العمل إتماما لتنفيذ حكم الله في إبطال التبني وتوابعه فتزوج بزينب بعد أن طلقها زيد.
٤ ـ وقد كان هذا مثيرا لما توقعه النبي من انتقاد حيث لاكت بعض الأفواه على الأرجح أفواه المنافقين ومرضى القلوب الحادث. ووجه نقد هامس أو غير هامس للنبي فكان ذلك سببا لنزول الآيات التي قررت ما اقتضت الحكمة تقريره. ومن جملة ذلك التنبيه على أن محمّدا ليس أبا حقيقيا لأي من المؤمنين وبالتالي فإنه ليس والد زيد حتى تحرّم عليه مطلقته. وهذا التسلسل يستتبع القول إن الحادثة وظروفها النفسية والتنفيذية قد جرت بإلهام ربّاني ولكن بدون وحي قرآني. إلّا ما كان من التنديد بالتبني وإعلان عدم إقرار الله له في أول السورة الذي يمكن أن يكون هو مصدر ذلك الإلهام. وإن الآيات نزلت بعد ذلك للردّ والتثبيت والتبرير والعتاب وشرح سنة الله وواجبات الأنبياء في تبليغ رسالات الله وتنفيذ أوامره دون اهتمام لنقد ذلك ومعارضته.
وموضوع عتاب النبي صلىاللهعليهوسلم في صيغة الآية الثانية واضح وهو التريث في ما ألهمه الله من قبول رغبة زيد في تطليقه زينب ليتزوجها. وصيغة الآيات كلّها منصبة بصراحة تامة على وجوب الرضاء بقضاء الله ورسوله وبيان حكمة الله وأمره في إزالة الحرج عن المؤمنين ـ وليس عن النبي فقط ـ في تزوج زوجات أبنائهم بالتبني