سياق آية التخيير ولم يكن هناك محل خوف من طلاق بعد نزول التخيير إذا ما اختار نساء النبي الله ورسوله والبقاء عنده وهو ما وقع. ولقد روى المفسرون أن إحداهن سودة أعلنت تنازلها عن يومها لعائشة ليبقيها في عصمته. والراجح أن ذلك كان بعد نزول التحديد وقبل نزول الآية الإذن للنبي باستبقاء جميع نسائه حيث نزلت لتهدئة اضطرابهن وتسكين حزنهن وتطمين قلوبهن.
ولقد رأينا المفسرين يديرون الكلام في سياق الآية [٥٠] على مفهوم كونها مطلقة وبسبيل إعلان كون الله تعالى قد أحلّ له فيها نوع النساء الموصوفات فيها دون غيرهن اللائي لا يتصفن بهذه الصفات (١). وقد أوردوا حديثا عن بنت عمّه أبي طالب جاء فيه : «خطبني رسول الله فاعتذرت له فعذرني. ثم أنزل الله الآية فلم أعد أحلّ له لأني لم أهاجر معه وكنت من الطلقاء». وقد روى هذا الحديث الترمذي أيضا عن أم هانىء بنت أبي طالب (٢) ونحن نتوقف في هذا ونرجح استئناسا بفحوى الآية وروحها أنها بسبيل إقرار ما كان قد تمّ من زيجات النبي صلىاللهعليهوسلم قبل نزول الآية استدراك أمر التحديد بالنسبة إليه. ولعلّ في نص الآية إما قرينة بل دليلا على ما نقول. ولقد روى الطبري مع اشتراكه في القول المذكور آنفا عن أبيّ بن كعب كلاما قد يكون فيه تأييد حيث قال ما مفاده أن الله قد أحلّ في الآية للنبي النساء اللاتي كان تزوجهن مما ذكرت الآية أوصافهن في حين أحلّ للمؤمنين مثنى وثلاث ورباع بدون تحديد أوصاف والله تعالى أعلم.
ولقد كان في عصمة النبي صلىاللهعليهوسلم على ما تكاد تتفق عليه الروايات حين نزول الآيات عشر زوجات هنّ عائشة بنت أبي بكر وحفصة بنت عمر وسودة بنت زمعة وأم سلمة بنت أبي أمية وأم حبيبة بنت أبي سفيان وجويرية بنت الحارث وزينب
__________________
(١) انظر تفسير الطبري والبغوي والخازن وابن كثير.
(٢) انظر التاج ، ج ٤ ص ١٨٦ و ١٨٧ وكلمة الطلقاء أطلقها النبي على أهل مكة الذين استسلموا يوم الفتح وأسلموا ومنّ عليهم. ولم يعد من هاجر منهم إلى المدينة يعدّ مهاجرا لأن النبي قال : (لا هجرة بعد الفتح). على ما أوردناه في سياق الآية [٧٧] من سورة الأنفال.