ويتبادر أنه لو صحّ قول القائلين بأن جملة (لِذِي الْقُرْبى) من رسول الله تعني سهما لأقارب رسول الله متيقنين من قولهم هذا لما بدا حكمة وسبب لمطالبة أقارب رسول الله من إرث سهم رسول الله في الفيء والغنائم لأن حق أقارب رسول الله يكون قد توطد بأقاربه بكلمة (لِذِي الْقُرْبى) والله أعلم.
ويروي بعض مفسري الشيعة (الطبرسي والطوسي) مثلا أن جملة (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ) في آية سورة الإسراء هذه (وَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً) (٢٦) ، وفي آية سورة الروم هذه : (فَآتِ ذَا الْقُرْبى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذلِكَ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٣٨) هي قصدت أقارب رسول الله في الفيء والغنائم ، والآيتان في سورتين مكيتين ويروي القائلون أن الآيتين أو إحداهما مدنيتان لتبرير قولهما لأن تشريع الفيء والغنائم مدني وليس لما رأوه سند وثيق. والآيتان منسجمتان في سياق الآيات المكية قبلهما وبعدهما كل الانسجام وآية سورة الإسراء في سلسلة طويلة فيها وصايا وأوامر وتحذيرات وبعد الآية الواردة في سورة الروم آية من شاكلتها وهي : (وَما آتَيْتُمْ مِنْ رِباً لِيَرْبُوَا فِي أَمْوالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُوا عِنْدَ اللهِ وَما آتَيْتُمْ مِنْ زَكاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (٣٩). وأسلوب الآيتين مثل أسلوب الآيات المكية التي قبلهما وبعدهما حثّ وتحذير وهو أسلوب مكي. ويتبادر لنا والله أعلم أنها بسبيل الحثّ على إعطاء الأقارب المستضعفين حقهم في الميراث حيث كان الأقوياء من رجال الأسر يأكلون حقوق النساء واليتامى والمستضعفين في الميراث أو يجحفون فيه. وفي سورة النساء آية تشير إلى ذلك بصراحة وهي : (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّساءِ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَما يُتْلى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ فِي يَتامَى النِّساءِ اللَّاتِي لا تُؤْتُونَهُنَّ ما كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْوِلْدانِ وَأَنْ تَقُومُوا لِلْيَتامى بِالْقِسْطِ وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللهَ كانَ بِهِ عَلِيماً) (١٢٧) والله أعلم.