وأسلوب الآيات عتابي على فعل ما هو غير الأولى في علم الله ، وهذا يسوغ القول إن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يفعل بعض ما يفعل بدون وحي وبسائق الاجتهاد فيخطىء ويصيب ويفعل غير الأولى المغيب في علم الله. وليس في هذا مطعن في عصمته على ما شرحناه في سياق تفسير سورة النجم. فعصمته حقّ ومتحققة في صدقه فيما يبلغه عن الله وفي التزامه الحدود التي يأمر الله بها آمرة كانت أم ناهية. وليس بين هذا وبين هذا الموقف وأمثاله ـ مما تكررت الإشارة إليه في القرآن وروته الروايات (ومن ذلك مسألة المنزل الذي نزله في أدنى ماء من بدر وعدل عنه باقتراح الحباب بن المنذر على ما أوردناه قبل ، ومسألة عبوسه حينما جاءه الأعمى يسأله بينما كان يتحدث مع أحد الزعماء على ما جاء في آيات سورة عبس الأولى) ـ تعارض كما هو ظاهر. والنبي فعل ما فعل مجتهدا بأنه الأصلح في أمر ليس محددا من الله تعالى وليس فيه ذنب أو محظور.
ولقد روى المفسرون (١) في سياق هذا الحديث حديثا عن عمر بن الخطاب جاء فيه «أنه جاء إلى رسول الله غداة المشورة في أمر الأسرى وترجيح النبيّ اقتراح فدائهم فوجده مع أبي بكر قاعدين يبكيان فقال يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم أبكي للذي عرض لأصحابي من أخذهم الفداء ولقد عرض عليّ عذابكم أدنى من هذه الشجرة ـ لشجرة قريبة من رسول الله ـ فأنزل الله عزوجل الآيات» والحديث ذو مغزى في صدد الشعور النبوي والوحي القرآني معا.
والآيات لا تمنع الأسر والفداء بالمرة كما هو ملموح في صيغتها. وإنما هي بسبيل تقرير أن ذلك ما كان ينبغي إلا في حالة اشتداد قوة النبي والمسلمين وتوطيد هيبتهم ورهبتهم وسلطانهم. وينطوي في ذلك تقرير كون معاملة الأعداء بالشدة والصرامة مما يوطد هذه الرهبة والهيبة والسلطان ومما هو ضروري لمصلحة
__________________
(١) انظر الطبري والبغوي وابن كثير ، وقد روى الحديث الترمذي بسند صحيح أيضا. انظر التاج ج ٤ ص ١١١ فصل التفسير.