الدعوة الإسلامية في بعض الظروف. ولقد ورد في سورة محمد آيات تجعل المسلمين بالخيار في معاملة الأسرى بعد الإثخان فيهم وهي (فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتَّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِداءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها) [٤] حيث انطوى فيها تشريع بالنسبة للظروف التي يكون فيها المسلمون أصحاب قوة وهيبة وتمكّن. كما انطوى فيها تلقين متسق مع التقريرات القرآنية بأن الجهاد الإسلامي هو جهاد للردع والدفاع والمقابلة بالمثل وضمان أمن المسلمين وسلامتهم وحريتهم وحرية الدعوة إلى الإسلام ومنع العدوان عليها وأنه لا ينبغي أن يتجاوز القدر اللازم لتأمين هذه الغايات.
وفي إجازة القرآن ما فعله النبي صلىاللهعليهوسلم اجتهادا توطيد لمبدأ الرأفة في الحروب الإسلامية. وفيها كذلك قرينة مؤيدة لصحة نقد قول من يقول إنه ليس لمشركي العرب إلا الإسلام أو القتل وكل هذا مما أيدته آيات قرآنية عديدة منها ما مرّ ومنها ما سوف يجيء بعد.
ولقد روى المفسرون وكتّاب السيرة روايات متنوعة في سياق هذه الآيات عما فعله النبي صلىاللهعليهوسلم بالأسرى يحسن إيرادها هنا لما فيها من سنن وتلقينات وصحتها إجمالا محتملة ولو لم ترد في الصحاح. من ذلك أنه أمر بقتل شخصين منهم كانا شديدي الأذى والنكاية في مكة وهما النضر بن الحرث وعقبة بن أبي معيط (١). وأنه حينما وصل المدينة فرق الأسرى بين أصحابه ووصاهم بهم خيرا ونهى عن
__________________
(١) روى البخاري عن عروة بن الزبير صورة من أذى عقبة للنبي صلىاللهعليهوسلم قال : (سألت ابن عمرو بن العاص عن أشدّ شيء صنعه المشركون بالنبيّ فقال : بينما كان يصلي في حجر الكعبة إذ أقبل عقبة فوضع ثوب النبيّ في عنقه فخنقه خنقا شديدا فأقبل أبو بكر فأخذ بمنكبه ورفعه عن النبيّ وقال أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله ... التاج ج ٣ ص ٣٦٣). وروى ابن هشام صورة أخرى وهي أن عقبة جلس إلى النبي واستمع له فغضب عليه أبيّ بن خلف أحد صناديد مشركي قريش وحلف أن يقاطعه إذا لم يأت محمدا ويتفل في وجهه ففعل عدوّ الله ذلك. ج ١ ص ٣٦. أما النضر فكان يتبع النبي وكلما جلس إلى أحد أو جلس عنده أحد جلس وتحدى النبي وكذبه وقال هي أساطير الأولين اكتتبها ... وقد ذكر ذلك ابن هشام أيضا انظر ج ٢ ص ٣٥٨ ـ ٣٥٩.