يستحيل أن يصدر من بشر محدود مقدر ، من جميع جهاته ، فمثل هذا الخاطر الكوني لا يخطر بطبيعته على قلب بشر :
(أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَلَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ .. إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً ..)
وفي هذه الآيات تسلية لرسول الله ص وآله مما يجده في نفسه من ضيق التكذيب منهم اياه ، لما معه من الحق ، وبهذا العناد الضيق بعد تكرار البيان .. ولكن هؤلاء كالصم والعمي. وما يفتح الآذان الصماء والعيون العمي الا الله. واذا الجرائم أعمت وأصمت صاحبها ما ينفعه بعد ذلك.
(وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاَّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يَتَعارَفُونَ بَيْنَهُمْ قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ وَما كانُوا مُهْتَدِينَ (٤٥) وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ اللهُ شَهِيدٌ عَلى ما يَفْعَلُونَ (٤٦) وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (٤٧))
البيان : في هذه الجولة الخاطفة ننظر فاذا المحشورون مأخوذون بالمفاجأة. شاعرون أن رحلتهم الدنيوية كانت في غاية القصر والقلة ، حتى كأنها ساعة من نهار قضوها في التعارف. ثم أسدل بينهم الستار ، وانشغل كل امرىء ببلواه وما دهاه من الخوف والهلع.
انه لتشبيه ولكنها حق اليقين ، انهم يجيئون ثم يذهبون ، يتحابون ثم يتنازعون ويتباغضون ، ثم يتلاعنون ، هكذا يكون شأن أهل المعاصي والجرائم في هذه الحياة :
(قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللهِ) ... واما نرينك بعض الذي وعدناهم (.. فَإِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ).
وتبدأ هذه الجولة بتقرير أن مرجع القوم الى الله ـ سواء عجلهم بالانتقام أو أجلهم ـ المرجع في الحالتين الى الله العليم الخبير ، وهو شهيد على ما كانوا يفعلون.