رهيبة ترسم مبلغ الشدة والكرب والضيق في حياة الرسل. وهم يواجهون الكفر والعمى والاصرار والجمود. وتمر الايام وهم يدعون فلا يستجيب لهم الا قليل .. وتكر الاعوام والباطل في قوته وكثرة اهله. والمؤمنون في عدتهم القليلة وقوتهم الضئيلة.
انها ساعات حرجة. والباطل يتفشى ويطغى ويبطش ويغدر. والرسل ينتظرون الوعد فلا يتحقق لهم في هذه الارض فلعل انه يخطر في اذهان بعض اتباعهم ان الله مخلف وعده او لا ينصرهم على اعدائهم وينتشلهم من جراثم الظلم والعدوان.
وفي ساعة ما يستحكم فيها الكرب ويأخذ فيها الضيق بمخانق الرسل ولا تبقى ذرة من الطاقة المدخرة في هذه اللحظة الحرجة. يجيء للنصر كاملا حاسما فاصلا. وينتشل القلة المؤمنة المظلومة (جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ).
تلك سنة الله في الدعوات. فلا بد من الشدائد للتمحيص ولا بد من الكرب للتصفية حتى لا يبقى الذين قد اندسوا مع الاخيار من الاشرار لأجل الدنيا او لأجل الفساد. ثم يجيء النصر بعد اليأس وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم. ويهلك المفسدين والمجرمين يجيء النصر من عند الله عزوجل. فينجوا الذين يستحقون النجاة. ينجون من الدمار الذي يأخذ المكذبين. وينجون من البطش الذي يسلطه الله تعالى على المتجبرين ويحل بأس الله تعالى بالمجرمين ما حقا لهم لا يمكنهم الوقوف امامه. ولا يدفعه عنهم وليّ ولا حميم. ولا رجال ولا سلاح. ذلك لا يكون النصر رخيصا فتكون الدعوات هزلا. فلو كان النصر رخيصا لقام في كل يوم دعي بدعوة لا تكلفه شيئا ودعوات الحق لا يجوز ان تكون عبثا ولا لعبا. فانما هي قواعد للحياة البشرية. ومناهج ينبغي صيانتها