الصانع لهم ولا بد من الرجوع للقاعدة المسلمة في صحتها : (وهي أن كل مصنوع يرجع به الى صانعه الخبير بعلله وأحواله) (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ)
بعد هذا النفي والتقرير فهو اذن من صنع محمد ، ومحمد بشر ينطق باللغة التي ينطقون بها ولا يملك من حروفها الا ما يملكون. (ألف لائم. ميم) .. (ألف. لام. راء) (ألف. لام. صاد) الخ فدونهم اذن ـ ومعهم من يستطيعون جمعهم ـ فليفتروا كما افترى (بزعمهم) محمد ص وآله فليفتروا سورة واحدة لا قرآنا كاملا : (قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ).
وقد ثبت هذا التحدي ، وثبت تعجيز منه لهم. وما يزال ثابتا ولن يزال الى الابد. والذين يدركون بلاغة هذه اللغة ، ويتذوقون الجمال الغني والتناسق فيها. يدركون ان هذا النسق من القول لا يستطيعه الانسان ـ مهما سمى وعلا ـ وكذلك الذين يدرسون النظم الاجتماعية. والاصول التشريعية ، ويدرسون النظام الذي جاء به هذا القرآن ، ويدركون النظرة فيه الى تنظيم الجماعة الانسانية ، ومقتضيات حياتها من جميع جوانبها.
وليس هو اعجاز اللفظ والتعبير واسلوب الاداء وحده ، ولكنه الاعجاز المطلق الذي يلمسه الخبراء في هذا وفي النظم والتشريعات والنفسيات وما اليها ينتمي.
ومع تقدير العجز والتعجيز سلفا عن بيان حقيقة هذا الاعجاز ، ومداه الذي لا يدرك والعجز عن تصويره بالاسلوب البشري ، ومع تقدير أن الحديث المفصل عن هذا الاعجاز ـ في حدود الطاقة البشرية ـ هو موضوع كتاب مستقل.