البيان : لقد كانت معركة بدر هي المعركة الاولى بين المسلمين والمشركين. وكان المسلمون ما يزالون قلة. والمشركون كثرة. وكان نقص عدد المحاربين من المشركين مما يكسر شوكتهم ويذل كبريائهم ويعجزهم عن معاودة الكرة على المسلمين. وكان هدفا كبيرا لا يعدله المال الذي يأخذونه مهما يكونوا فقراء .. لذا عرض القرآن بالمسلمين الذين قبلوا الفداء في الاسرى (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا) والمسلمون عليهم ان يريدوا ما يريد الله فهو خير وابقى.
(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرى ..) (هذا الخير كله معلق بأن تصلح قلوبهم فتتفتح لنور الايمان فيعلم الله ان فيها خيرا والخير هو الايمان حتى ما يحتاج الى ذكر وتنصيص. ان الاسلام انما يستبقى الاسرى لديه ليلمس في قلوبهم مكامن الخير والرجاء والصلاح وفي الوقت الذي يفتح الله للأسرى نافذة الرجاء المشرق الرحيم يحذرهم خيانة الرسول ص وآله (الذين آمنوا ولم يهاجروا) ليس بينهم وبين المجتمع المسلم ولاية. وهكذا وجد الاسلام في نفس اللحظة تجمع عضوي حركي مستقل منفصل عن المجتمع الجاهلي ومواجهة لهذا المجتمع (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ..)
لقد انخلع كل من قال : لا اله الا الله. وان محمدا رسول الله ص وآله في مكة من الولاء. لأسرته والولاء لعشيرته والولاء لقبيلته. واعطى ولاءه وزمامه لمحمد رسول الله ص وآله.
عندئذ آخى رسول الله بين اعضاء هذا المجتمع الوليد .. اي انه حول هؤلاء الافراد الآتين من المجتمع الجاهلي افرادا الى مجتمع متكافل تقوم رابطة العقيدة فيه مقام رابطة الدم والنسب ويقوم الولاء لقيادته الجديدة مقام الولاء للقيادة الجاهلية ..