وحراستها من الادعياء الكاذبين. وذلك منحصر بتلازمها للمتاعب والشدائد حتى تعجز الادعياء عن حمله والافتراء بدون حق وحينئذ تبين ان لا يصمد لحمل الدعوة الصادقة وتحمل لوازمها من الشدائد والمتاعب الا اهل الحق والصدق الذين لا يتخلون عن دعوة الله ولو اصابهم جميع الشدائد وان منع عنهم النصر من الله عزوجل لحكمة دعت ذلك الرب الحكيم العزيز.
ان الدعوة الى الله تعالى ليست تجارة قصيرة الاجل. اما ان تربح ربحا معينا محددا في هذه الارض. واما ان يتخلى عنها اصحابها الى تجارة اخرى اقرب ربحا وايسر حصلة.
والذي ينهض بالدعوة الى الله في المجتمعات الجاهلية ـ التي تدين لغير الله او تحكم بغير ما انزل الله ـ يجب ان يوطن نفسه على انه لا يقوم برحلة مريحة. ولا يقوم بتجارة مادية قريبة الأجل. انما ينبغي له ان يستيقن انه بمقدار ما يواجه الطواغيت يعلو قدره عند خالقه وينال ثوابه واذا كان الاجر بقدر المشقّة سهل حينئذ كل صعب وشدة.
ويجب ان يستيقنوا ان الدعوة الى الله كثيرة التكاليف وانما تختص بالصفوة المختارة الضئيلة (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ) وان عدد هذه الصفوة يكون دائما قليلا جدا (وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ) ولكن الله عزوجل قادر ان يجعل من هذه الصفوة القليلة قوة متينة ويعينها حتى تغلب اقوى قوة باذن الله (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ) وعندئذ يدخل الناس في دين الله افواجا. وفي قصة يوسف (ع) الوان من الشدائد. ولكن قد اثمرت بعد ذلك براحة ونعيم وعزّ وفوز مبين. (لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ .. وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) ..