من منا لم يذق الطعوم المختلفات في نبت البقلة في البقة الواحدة ، فكم منا التفت هذه اللفتة التي وجه القرآن اليها العقول والقلوب ، انه بمثل هذا يبقى القرآن جديدا مدى الابد لانه يجدد الاحاسيس البشرية بالمناظر والمشاهد في الكون والنفس ، وهي لا تنفد ولا يستقصيها انسان مهما عمر في الزمان. ولا تستقصيها البشرية في اجلها الموعود.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) ومرة ثالثة نقف أمام التقابلات الفنية في اللوحة :
(والنخيل صنوان وغير صنوان والطعام مختلفات والزرع والنخيل والاعناب)
تلك الجولة الهائلة في آفاق الكون الفسيحة ، يعود منها السياق ليعجب من قوم ، هذه الآيات كلها في الافاق لا توقظ قلوبهم ، ولا تنبه عقولهم. ولا يلوح لهم من ورائها تدبير المدبر وقدرة الخالق العظيم. كأن عقولهم مغلولة. وكأن قلوبهم مقيدة. فلا تنطلق للتأمل في تلك الآيات.
وقد صدق الله العظيم حيث يقول : (أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً ـ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها. وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) عن الله تعالى وآياته
(وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥) وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقابِ (٦) وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ (٧))
البيان : والذي خلق هذا الكون الضخم ودبره على هذا النحو ،