مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ (١١))
البيان : يقف الحسّ مشدوها يرتعش تحت وقع هذه اللمسات العميقة في التصور وتحت ايقاع هذه النغمات العجيبة في التعبير ، يقف مشدوها وهو يقفو مسارب علم الله تعالى ومواقعه. وهو يتتبع الحمل المكنون في الارحام ، والسر المكنون في الصدور ، والحركة الخفية في جنح الليل. وكل مستخف وكل سارب وكل هامس وكل هاجر. وكل أولئك مكشوف تحت المجهر الكاشف ، يتتبعه شعاع من علم الله عزوجل : وتتعقبه حفظة تحصي خواطره ونواياه الا انها الرهبة الخاشعة التي لا تملك النفس معها الا ان تلجأ الى الله العزيز. فتطمئن في حماه. وان المؤمن بالله العظيم ، ليعلم أن علم الله يشمل كل شيء. ولكن وقع هذه القضية الكلية في الحس لا يقاس الى وقع مفرداتها كما يعرض السياق بعضها في هذا التصوير العجيب.
وأية قضية تجريدية ، وأية حقيقة كلية في هذا المجال من قوله عزوجل :
و (اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ ، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ)
حين يذهب الخيال يتتبع كل انثى في هذا الكون ، المترامي الاطراف ، كل انثى .. كل انثى في الوبر والمدر. في البدو والحضر ، في البيوت والكهوف والمسارب والغابات ، ويتصور علم الله مطلا على كل حمل في أرحام هذه الاناث ، وعلى كل قطرة من دم تغيض او تزداد في تلك الارحام.