في هذه الآية صورة من صور قدرة الله تعالى. وحين تستقر هذه الصورة في قلب انسان يتم فيه تحول جذري كامل في تصوراته واتجاهاته وموازينه وتنقطع لديه جميع الحسد والهلع. انها تقطعه عن شبهة كل قوة في السموات والارض. وتصله بقوة خالقها مباشرة ، وتشرق في قلبه أنوار الايمان وانقطاع الى خالقه لا غير. وتيئسه من مظنة كل رحمة من قبل المخلوقات كافة. وتصله برحمة سيده ومولاه الذي أوجده ورباه وأفاض عليه ما لا يحصى من كرمه ونعماه. وتفتح أمامه باب الخالق العظيم مسبب الاسباب فقط وتغلق في وجهه كل طريق في السموات والارض. وتشير له الى طريقه الى الله عزوجل لا غير.
ورحمة الله تعالى تتمثل في مظاهرة لا يحصيها العد. ويعجز الانسان عن تصورها فضلا عن احصائها. وتسجيلها في ذات نفسه وتكوينه وتكريمه بما كرمه. وفيما سخر له من حوله ومن فوقه وتحته. وفيما أنعم به عليه مما يعلمه ومما لا يعلمه وهو كثير الذي لا يحصى.
وما من نعمة ـ يمسك الله تعالى معها رحمته ـ حتى تنقلب هي بذاتها نقمة. وما من محنة ـ تحفها رحمة الله ـ حتى تكون هي بذاتها رحمة ونعمة. فاذا نام الانسان على الشوك ـ مع رحمة الله ـ فاذا هو مهاد. وينام على الحرير ـ وقد أمسكت عنه ـ فاذا هو شوك القتاد. ويعالج أعسر الامور ـ فاذا هي هوادة ويسر. ويعالج أيسر الامور ـ وقد تخلت عنه رحمة الله ـ فاذا هي مشقة وعسر. ويخوض بها المخاوف والاخطار فاذا هي أمن وسلام ويعبر بدونها المناهج والمسالك فاذا هي مهلكة وبوار.